هل ستؤدي المطالبات بوقف الحفلات الغنائية في إسرائيل إلى إنهاء الغسيل الفني؟

هل ستؤدي المطالبات بوقف الحفلات الغنائية في إسرائيل إلى إنهاء الغسيل الفني؟

مع الإعلان عن حفل مغني البوب ​​الأمريكي الشهير برونو مارس المقرر إقامته في تل أبيب الشهر المقبل، توجهت دعوات للمغني الحائز على جائزة جرامي للتوقف عن الحفلات هناك، بسبب الجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين. وأطلقت منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام عريضة وقع عليها حتى الآن أكثر من ٥٠٠٠ شخص، تطالب مارس بإلغاء حفلته.

قالت المنظمة في نص العريضة أنها تشعر بالقلق إزاء الحفلة، “نشعر بقلق بالغ إزاء الإعلان عن عروضكم القادمة في تل أبيب بإسرائيل في حديقة ياركون، التي تم بناؤها على أراضي قرية الشيخ مؤنس الفلسطينية المطهرة عرقياً. نحن نحثك على إلغاء عروض في نظام الفصل العنصري في إسرائيل، تمامًا كما فعل جميع الفنانين ذوي الضمائر الحية في نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.”

Videos by VICE

النقاش ذاته أعيد فتحه بعد إعلان المغنية الأمريكية كريستينا أغيليرا عن عرضها الأول في في مدينة ريشون لتيسون شمال إسرائيل في أواخر شهر يونيو، حيث طالب العديد من معجبي المغنية بإلغاء حفلها القادم في إسرائيل، وذلك احتجاجًا على انتهاكات الحكومة الإسرائيلية لحقوق الفلسطينيين. في وقتها، انتشر هاشتاغ XtinaDontGo على منصة إكس، مطالبًا أغيليرا باتخاذ موقف ضد جرائم إسرائيل.

رغم ذلك، رفضت كرستينا إلغاء حفلها الموسيقي الأول في إسرائيل، وقامت بالغناء في مدينة ريشون لتيسون شمال إسرائيل في أغسطس الماضي. هذه النداءات لأغيليرا وغيرها من الفنانين لوقف الفعاليات الفنية والثقافية في إسرائيل تعيد دائماً فتح النقاشات المتعلقة بأهمية المقاطعة الثقافية لإسرائيل بوصفها دولة أبارتهيد (فصل عنصري)، سواء نجحت هذه المطالبات في ثني الفنانين عن إقامة حفلاتهم هناك أم لا.

غسيل فني

ترى حركة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات (BDS)، والتي كانت من أهم الداعين لوقف هذه الحفلة، أن الأنشطة الثقافية والفنية في إسرائيل تعطي إنطباعاً “زائفاً” بأن إسرائيل هي دولة طبيعية مثل باقي الدول الأخرى. 

وذلك لأن نظام الاستعمار الإسرائيلي “يوظف الثقافة كغطاء لجرائمه ضد الشعب الفلسطيني.” وفي نفس هذا السياق، فإن الدعوات التي تطلق باستمرار لحث الفنانين والمثقفين على وقف حملاتهم في إسرائيل، هي دعوات نابعة من منطلق وقف التطبيع مع الاحتلال، والعمل على عزله ثقافيًا وفنيًا واقتصاديًا.

لا يقتصر الأمر على الفنانيين الغربيين فقط

طُرح الجدل نفسه من جديد بعد أن قدمت الفنانة التونسية آمال مثلوثي عروضًا فنية في القدس وبيت لحم ورام الله في نهاية يوليو الماضي، ضمن فعاليات مهرجان ليالي الطرب في قدس العرب الذي نظمه معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى بالتعاون مع مركز يبوس الثقافي. كما أعلنت إلغاء حفل كان مقررًا إقامته في مدينة حيفا “لتجنب أي سوء فهم”- يُشير “سوء الفهم” هنا إلى الاتهامات بالتطبيع التي وجهت لآمال مثلوثي بسبب دخولها الأراضي الفلسطينية المحتلة وإعلانها عن حفل في مدينة حيفا.

ولم يكن حفل المثلوثي في ​​حيفا هو الوحيد الذي تعرض للاعتداء، فهناك من اعتبر وجودها في فلسطين بموافقة إسرائيلية تطبيعا مع الاحتلال يجب محاسبتها عليه، وهذه المعايير تختلف من طرف إلى آخر.

الحملة التونسية لمقاطعة ومناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني هاجمت الفنانة مثلوثي بسبب تجاهلها دعوات الحملة بعدم دخول فلسطين والغناء فيها، سواء في مدينة حيفا أو حتى القدس ورام الله، واصفة الحفلات التي أقيمت هناك أنها تقع تحت بندي التطبيع المقنع وهو الغناء في المدن الفلسطينية، والتطبيع المفضوح، أي الغناء في المدن الإسرائيلية.

وجاء في بيان الحملة أنه “عندما يتصدّر فنانون مشهورون هذا المشهد التطبيعي، سيكون من الصعب لاحقا أن نلوم عموم المواطنين العرب على قيامهم بنفس الأمر. وهذا ما يدركه جيدًا الكيان الصهيوني الذي يشجع ويسهّل هذه الزيارات من أجل كسر الحاجز النفسي لدى الشعوب العربية تجاه التطبيع.” ولم يتوقف الأمر هنا فقط، بل أعلنت إدارة مهرجان الحمامات الدولي  الـ ٥٧ بتونس، إلغاء حفل المثلوثي الذي كان من المقرر إقامته الشهر الماضي، ووعدت بإعادة أموالها لمن اشترى تذاكر الحفل. 

عبرّت مثلوثي عن صدمتها من القرار عبر حسابها على فيسبوك الذي اعتبرته إقصاء لها من حقها الشرعي في الغناء على أرض بلادها، وتساءلت: “هل اسهل هو أن تهاجم امرأة؟ أو فنانة تناضل من أجل الحرية و العدالة و مساندة للقضية الفلسطينية منذ عدة سنوات؟ وهل هذه هي الطريقة للتعامل مع فنانين ينشرون الثقافة و الكلمة التونسية في انحاء العالم أو فناننين بصفة عامة؟” 

ورغم هذا الهجوم الشرس الذي تزامن مع تواجد المثلوثي في ​​المناطق الخاضعة لسيطرة السلطة الفلسطينية، إلا أن هناك العديد من الفنانين الفلسطينيين الذين أيدوا حضورها، وأبدوا أسفهم لقرارها إلغاء حفلها في مدينة حيفا والاعتداء عليها.

وفي سياق منع حفل المثلوثي في ​​حيفا، أبدت الفنانة الفلسطينية هيا زعاترة استيائها من هذا القرار، حيث قالت عبر صفحتها على الفيسبوك: “منع أو إلغاء عرض موسيقي لفنّانة عربيّة في حيّز فلسطيني مستقل في حيفا بِعيد إنتاج عزلتنا الثقافية وبعزّزها، وهذا شيء سيء وخطير.” وأعتبرت زعاترة أن الفصل بين رام الله والقدس وحيفا هو “ببساطة نفاق وخضوع لتقسيمنا، خضوع للحدود المفروضة” على الفلسطينيين.

عروض أخرى تم إلغؤها دعمًا للقضية الفلسطينية

كان من المقرر أن يُقام مهرجان موسيقي آخر بعنوان “٣ دقات” في القدس خلال شهر أغسطس الماضي، ولكن تم إلغاؤه بعد انسحاب معظم الفنانين المشاركين فيه نتيجة لدعوات لمقاطعته. هذا الانسحاب جاء نتيجة لأن المنظم الرئيسي للمهرجان كان مركز “في البيت”، وهي مؤسسة تُعتبر تطبيعية وتتلقى تمويلها من بلدية الاحتلال، وفقًا لبيان صادر عن حملة مقاطعة إسرائيل BDS.

ومن أهم العروض التي تم إلغاؤها هذا العام هو عرض مغني البوب البريطاني الحائز على جائزة جرامي سام سميث، والذي كان سيقدم عرضاً في إسرائيل مايو الماضي، حيث تم توجيه العديد من الدعوات له لإلغاء عرضه هناك دعمًا للقضية الفلسطينية.

التطبيع الرياضي

النقاش حول التطبيع الرياضي أيضًا أعيد إلى الساحة مؤخرًا عندما قدم ستة أعضاء من مجلس إدارة نادي الوحدات الأردني استقالتهم عقب قرار النادي بخوض مباراة  ضمن ملحق أبطال آسيا مع نادي الأهلي الإماراتي والذي يضم بين صفوفه لاعباً يحمل الجنسية الإسرائيلية وهو مؤنس دبّور، والذي كان يلعب سابقاً في صفوف المنتخب الوطني الإسرائيلي.

عادت قضية التطبيع الرياضي إلى الواجهة مؤخرًا عندما قرر ستة أعضاء من مجلس إدارة نادي الوحدات الأردني تقديم استقالاتهم. وجاء هذا القرار بعد أن قرر النادي خوض مباراة ضمن تصفيات دوري أبطال آسيا مع النادي الأهلي الإماراتي، الذي يضم في تشكيلته لاعبًا يحمل الجنسية الإسرائيلية مؤنس دبور، والذي لعب سابقا للمنتخب الإسرائيلي.

على الرغم من الهجوم الشديد الذي تعرض له النادي على وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنه رفض وصف دبور بـ”المطبع”، وأكد استمرار اللاعب في المشاركة، وذلك لتجنب إثارة أي خلافات مع الدول العربية الأخرى.

المباراة التي جرت في الخامس عشر من الشهر الحالي انتهت بخسارة نادي الوحدات المعروف بولائه للقضية الفلسطينية، ولكن النقاش حول أهمية وقف التطبيع الرياضي مع إسرائيل لم تنته. 

هذه الدعوات لمقاطعة الأنشطة الثقافية والفنية في إسرائيل أو المدعومة صهيونيًا في جميع أنحاء العالم ليست جديدة، لطالما طرح موضوع المقاطعة كوسيلة لمناهضة الاستعمار، خاصة في حالة تفوقه اقتصاديًا وعسكريًا. ويتخذ مناصري مقاطعة إسرائيل بوصفها دولة أبارتهيد من نظام الفصل العنصري جنوب أفريقيا مثالاً حيث فرضت على ذلك النظام أيضًا عقوبات اقتصادية وثقافية أدت إلى زواله في النهاية. وفي الوقت الذي تستمر فيه الدعوات لمقاطعة إسرائيل، يستمر التطبيع العربي الرسمي مع إسرائيل والذي بدأته مصر عام ١٩٧٧، ثم تبعتها الأردن، السلطة الفلسطينية، ومؤخراً الإمارات والمغرب والسودان، على الرغم من الرفض الشعبي.

ويجادل من يعتبر وجود الفنانين والمشاهير في فلسطين تطبيعًا سواء تواجدوا في الأراضي المحتلة عام ١٩٤٨ أو عام ١٩٦٧ أن دخول جميع هذه المناطق يحتاج موافقة إسرائيلية. ويعتبر ذلك اعترافًا ضمنيًا بشرعية الاحتلال وسيطرته على تلك المناطق، بينما ترفض حركة مقاطعة إسرائيل BDS حصول العرب على تأشيرة (فيزا) إسرائيلية بحجة “التواصل مع الفلسطينيين.”

وتحث الحملة الفنانين/ات والمثقفين/ات الفلسطينيين/ات والمؤسسات الفلسطينية على عدم التطبيع مع إسرائيل، “مع مراعاة خصوصية فلسطينيي أراضي العام ٤٨.” 

بينما تواصل إسرائيل محاولاتها لتوسيع التطبيع مع مزيد من الدول العربية، وتعزيز وجودها في مؤسسات ثقافية واقتصادية وأكاديمية حول العالم من خلال تنظيمات لوبي صهيونية في مختلف أنحاء العالم، هناك جهود مستمرة من قبل من يعارضون هذا الوجود ويعتبرون إسرائيل قوة احتلال. 

هؤلاء يعملون على تحقيق عزلة أكبر لإسرائيل ثقافيًا واقتصاديًا. لكن هل ستنجح هذه الحملة في تعزيز عزلة إسرائيل أمام المجتمع الدولي؟