مقال رأي

أنس وأصالة وحفل معرفة جنس الجنين: وَلد رغمًا عنه

التوقيت قاتل فعليًا وليس مجازًا
انس اصالة

في حفل هو الأول من نوعه في العالم من حيث التكلفة والتغطية الإعلامية، أضاء برج خليفة بدبي بالإمارات العربية المتحدة، باللون الأزرق احتفالًا بمعرفة جنس الجنين (ولد يا جماعة ولد). الحفل الكبير الذي تابعه الملايين، كان بطليه أنس وأصالة أو عائلة أنصالة، وهي إحدى قنوات اليوتيوب العربية المعروفة بعدد متابعين/ات يتجاوز السبعة ملايين. أما الاسم فهو لزوجان سوريان مُقيمان بكندا سافرا مؤقتًا إلى دبي لإقامة هذا الحفل - حفل معرفة نوع الجنين (Gender Reveal Party). بين انبهار البعض وغضب الآخر، أصبح فيديو الاحتفال ترينداً يحصد ملايين المشاهدات والتعليقات. كنتُ ضمن الملايين الغاضبة من الحفل ومن الفيديو ومن الفكرة بوجه عام. لماذا أشعر بالغضب، إليكم /نّ بعض الأسباب.

إعلان

التوقيت قاتل

التوقيت قاتل فعليًا وليس مجازًا. ففي نفس الأثناء التي أنطلق فيها الاحتفال يحصد ملايين المتابعات والمُشاهدات، هناك المئات تُحصد أرواحهم/نّ في بلدان عربية مختلفة. لن أحمّل أنس وأصالة مسؤولية قتل المئات هنا وهناك، لكنني على الأقل أعتبرهما مُتجاهلان سياق جعلهما نجومًا على الإنترنت. سياق هو السبب في دخلهما من الإعلانات والتسويق والمُشاهدات على قناتهما. بينما يحصد الاحتفال مئات التعليقات، كان السودانيون/ات عالقون وعالقات في مياه فيضان نهر النيل بالخرطوم. فيما كان الفيديو يحصد تغطية إعلامية كبيرة، أعاد اللبنانيون/ات حصد أرواح انفجار مرفأ بيروت، مُنتظرين/ات أمل ينبض بالحياة تحت ركام الانفجار. بينما كانت قلوب متابعي ومتابعات أنس وأصالة تخفق من الشغف ويعلو الأدرينالين حد ارتفاع برج خليفة، كان نبض_بيروت يخفق ببطء أكثر فأكثر، ويرسم الأدرينالين خطًا أفقيًا بمساحة دمار الانفجار. بينما تذكر وسائل الإعلام المختلفة جنسية أنس وأصالة كسوريّان، تم نسيان مئات الآلاف من السوريين/ات في مخيمات اللجوء، إن لم تنساهم الإنسانية في البحر المتوسط أثناء هروبهم/ن من الجحيم. هذا بالإضافة إلى كل الخسارات التي تعرضنا لها هذا العام من فلسطين إلى مصر.

ما كان يجب على أنس وأصالة فعله بالتحديد هو مراعاة مشاعر جمهورهما من هذه البلدان. كان بالإمكان تأجيل الحفل أو إلغائه. كان بالإمكان تقديم تعزية حتى لأرواح مئات أنا واثقة أن بينها متابعين/ات لأنس وأصالة، أو أقلها أن يكون بعض متابعيهم فقدوا/فقدن بعض الاحباب والحبيبات. هناك مسؤولية تقع على عاتقهما كأشخاص مؤثرة ومعروفة مفترض أنهما على دراية بمشاعر وظروف جمهورهما. 

إعلان

لماذا نحتاج إلى حفلة لمعرفة جنس الجنين أصلاً؟

dub.jpg

أتساءل حقًا، ما الجديد في معرفة جنس الجنين؟ الملايين يعرفون/نّ جنس الأجنة يوميًا بأشعة السونار، فما المختلف هذه المرة؟ لا أرى المغزى وراء حفلات معرفة جنس الجنين في المطلق. وفي الخصوص، لا أرى أي مغزى من الاحتفال المُبالغ فيه بمعرفة جنس جنين عائلة أنس وأصالة، سوى أنه دعاية وتسويق للشركات المستضيفة لهما ولعائلتهما. إن كان الأمر تسويقًا وربحًا، فما المانع أن يكون ذلك واضحًا، ودون صياغته كأنه حدث كبير جدًا ينتظره الملايين. كمُشاهدة، لا أنتظر معرفة جنس مواليد مَن أتابعهم/ن. أنتظر أن يحترمني هؤلاء، ويتركون لي حرية اختيار مشاهدة المحتوى بعد ذلك. ربما وقتها أشاهده فعلًا لأني مهتمة، دون أن أشعر بخديعة أو باستغلالي كرقم في عدّاد المشاهدات. أنا رقم لإمرأة إن فقد حياتها وتوقفت عن استخدام الإنترنت، لن يلتفت لي مَن أتابعهم/نّ، تمامًا كما فعلا.

حفنة من المبالغات

skd.jpg

كمُشاهدة أيضًا، وجدت أن الاحتفال مبالغ فيه من حيث التكلفة والتي دفعتها الشركات المستضيفة للحدث. للجميع الحرية في اختيار ما يناسبهم/ن سواء كانوا مُعلنين/ات أو شركات، ولي الحق في معرفة أن المحتوى الذي أشاهده هو إعلان مدفوع الأجر في بداية الفيديو، وليس حدثًا ضخمًا يجب عليّ متابعته لأواكب التريند، يُذكر اسم الشركات الراعية في معلوماته وليس في محتواه. كمُشاهدة، أريد محتوٍ يُمكنني رؤية نفسي فيه، يُمكنني تنفيذه أو يمكنني الشعور أنه في استطاعتي. أما هذا الاحتفال فقد كان خارج قدرة ملايين المشاهدين/ات على التنفيذ. جمع الاحتفال بين فانتازيا المال والشهرة وهوس الإنفاق والاستهلاك، ناهينا عن عدم حساسيته للتوقيت كما ذكرت. ما رأيته في هذا الاحتفال هو حفنة من المبالغات في كل شيء، الفكرة، الترتيبات، التكلفة، وحتى ردود أفعال العائلة والأصدقاء، انفصال كامل عن السياق وعن الجمهور.

وَلد رغمًا عنه

أضاء برج خليفة باللون الأزرق مُعلنًا أن الجنين ولد. قفز الجميع من الفرح وهبط في صميم الصور النمطية عن الهويات الجندرية. هناك عدة أخطاء فادحة هنا، أبرزها الخلط بين الجنس البيولوجي الذي يتم تحديده وقت الولادة، وبين الهوية الاجتماعية المرتبطة بهذا الجنس. الثاني: في ترجمة كلمة "جندر" الإنجليزية والتي تعني الهوية الاجتماعية، إلى كلمة "جنس" بالعربية في عبارة (Gender Reveal Party). والخطأ في الترجمة يرجع إلى خطأ الاسم نفسه باللغة الإنجليزية. فلا يُمكن لأي شخص معرفة الهوية الاجتماعية لطفل لم يولد بعد. كذلك، لا يجب ربط الجنس بالهوية الاجتماعية لأسباب تجدونها هنا:

  • هناك أشخاص يعبرنّ/ون من هوية لأخرى، وهناك مَن يصنّفنّ/ون أنفسهم/نّ بهويات مغايرة للهوية المفروضة تبعًا للجنس والمُحددة في ثنائية (ذكر/ولد) (أنثى/بنت). أما اللون الأزرق فيكفي أن نقول أنه تأكيدًا على صور نمطية عند الأطفال تمنعهم/نّ من تشكيل هوية اجتماعية خاصة بهم/نّ. ففي تحديد اللون الأزرق للأولاد، والوردي للبنات، فصل للأطفال عن مشاعرهم/نّ وتفضيلاتهم/نّ وتصوراتهم/نّ عن أنفسهم/نّ، وتجنّي عليهم/نّ. الولد مثلاً يجب أن يرتدي الأزرق. وألا يختار الوردي، وألا يلعب بالدُمى ويشتري ألعاب طبخ؟ وليكون ولد، عليه أولًا ألا يكون بنتًا.

حسنًا، لسنا جميعًا على نفس الخط فيما يخص الهويات الجندرية والميول الجنسية، لكني لا أنفك عن تخيّل هذا الطفل في المستقبل إن كانت هوية ولد، أو صبي أو رجل بكل تنميطاتها وقوالبها الجامدة، لا تناسبه. إلا إن كانت العائلة تنوي عقد احتفالًا آخر بعد سنوات، تتغير فيه إضاءة برج خليفة إلى الأزرق السماوي والزهري- ألوان علم العبور الجندري.