1490119889816-Emma_Stone_6855553028
إيما ستون ( الصورة لـ: غيج سكيدمور)
صحة نفسية

كيف تم تسويق الصحة النفسية لدرجة فقدت معناها

يجب أن ننتقد طريقة تغطية الاعلام والعلامات التجارية لقضايا الصحة النفسية
Hannah Ewens
إعداد Hannah Ewens
London, GB

عندما تبدأ رسائل البريد الإلكتروني اليومية الخاصة بتنبيهات غوغل في عرض نتائج عن "التوتر والقلق" أكثر من قضايا السياسية أو الاحتباس الحراري أو تغير المناخ فأنت تعرف أن هناك تغييراً ما يحدث في وسائل الإعلام.

بدأ هذا التحول في ديسمبر من عام 2014، عندما قامت صحيفة الجارديان بإجراء حملة خيرية في نداء عيد الميلاد لجمع التبرعات للجمعيات الخيرية للصحة النفسية. في الربيع التالي، قدّمت VICE سلسلة من المقالات الخاصة حول الموضوع، وبحلول نهاية عام 2015، قامت أعداد كبيرة من الصحف الأخرى بنفس الشيء.

إعلان

خلال عام 2016، كان مفهوم الصحة النفسية في كل مكان: بدأت كلمات "القلق" و"الاكتئاب" في الظهور في عناوين الصحف الرئيسية، وسرعان ما تم إضافة "القلق" إلى كل شي: "قلق العمل" "قلق مواقف السيارات" "قلق النشوة الجنسية."

وبدأت تظهر نماذج من محتوى يركز على  قوائم المشاهير الذين يعانون من مشاكل الصحة النفسية، قصص النجاح الشخصية، وربما النموذج الأكثر اختزالًا وغير مفيد على الإطلاق: "هل يمكن لليوجا/ العصير/ النوم/ الجنس/ تجنب الجلوتين أن "يعالج" مرضك النفسي؟"

من خلال هذا الكم الهائل من المقالات، تم تحقيق نتائج إيجابية لم يكن من الممكن تصورها سابقًا: تم رفع مستوى الاهتمام والتوعية بالصحة النفسية، وتراجعت الوصمة المحيطة بها، وأصبح الإنترنت الآن مليئًا بالموارد المخصصة لمن يعانون من أمراض نفسية.

ولكن الآن، بعد بضع سنوات من هذا الانفجار الأولى في التغطية والذي كان مجديًا، تحول الأمر إلى فوضى. أصبحنا نرى محتوى ضحلً، حيث يتم إعادة تدوير نفس القصص عبر منصات متعددة؛ وأصبحت الصحة النفسية كلمة رنانة، تستخدم لمواكبة روح العصر. وأصبح من المعتاد الآن سؤال المشاهير حول صحتهم النفسية في المقابلات، فيما تعيد المواقع الإخبارية استخدام نفس الاقتباس لإخبار الجميع بشكل متكرر أن إيما ستون تعاني من القلق أو أن سيلينا جوميز تعاني من الاكتئاب.

بينما كان من المريح في البداية أن تعرف أن الآخرين -مشاهير أم لا- يمرون بنفس المعاناة التي كنت تعاني منها، أصبح الأمر مملًا، ومثيرًا للجدل وغير مفيد إلى حد كبير. أصبح الأمر يشبه ما حدث قبل خمس سنوات، عندما كان يتم سؤال كل امرأة مشهورة عما إذا كانت نسوية، أملاً في الفوز بعنوان صادم أو انتزاع تصريح معين منهم.

إعلان

إذا كان سماع أن أحد المشاهير يعاني من الاكتئاب يشجع القارئ على بدء الحديث بصراحة عن معاناته الشخصية، فهذا أمر جيد. ومع ذلك، نحن الآن في نقطة التشبع المطلق تحت ادعاء "رفع مستوى الوعي." بصفتنا مستهلكين لوسائل الإعلام - ومنتجين - يجب أن ننتقد طريقة الحديث عن الصحة النفسية.

الغالبية العظمى من التغطية الخاصة بالصحة النفسية في الغرب - على حد علمي - تتعلق بالنساء ذوات البشرة البيضاء، لا تزال الفئات والطبقات العاملة غير ممثلة بالقدر الكافي بشكل كبير، كما ينصب التركيز في الغالب على اضطرابات المزاج - وهي مهمة بالطبع، ولكنها لا تمثل سوى جزء من قضايا الصحة النفسية التي تؤثر على عامة السكان.

لقد أصبحت الصحة النفسية أيضًا سلعة إلى حد كبير – حديث الساعة للعلامات التجارية التي تبحث عن قضية اجتماعية تدعمها. تقوم وكالات التسويق بإعداد مقاطع فيديو للشباب يتحدثون عن الصحة النفسية، وقد اتبع الكثيرون هذا التوجه. المشكلة هنا هي أنه بمجرد مشاركة العلامات التجارية، لمفهوم معين يصبح تسويقًيا ويجب تنقيته. محتوى العلامة التجارية حول الاكتئاب أو القلق دائمًا ما يتعلق بقصص التعافي ونادرًا ما يتم الاشارة إلى الحالات طويلة الأجل مثل اضطراب الشخصيّة الحدّي BPD، أو الذهان.

النسوية بالمقارنة تنطبق هنا أيضًا. كل هذه المقالات عن النسوية تدفع باتجاه العودة مرة أخرى للوعي العام بنفس الطريقة التي اتبعت في قضايا الصحة النفسية، حيث تم اختيار النسويات من قبل العلامات التجارية، لتعزيز نمو نوع محدد للغاية من النسوية غير المتقاطعة مع الطبقة المتوسطة. وما الذي تغير بالفعل؟ لا تزال الفجوة في الأجور بين الجنسين وحالات العنف لا تزال مرتفعة ضد النساء؟

إعلان

"رفع الوعي" و "كسر التابوهات" عبارات لطيفة للعلامات التجارية، ولكن في هذه المرحلة، هل تقوم بتغيير أي شيء حقًا؟

عندما يتعلق الأمر بالصحة النفسية، فإن أي من هذه المشاهد الظاهرية لم يتم ترجمتها إلى تغيير في العالم الواقعي. يتقاضى الموظفون في القمة أعلى بكثير من معظم الموظفين، الذين يُتوقع منهم العمل لساعات طويلة بعقود قصيرة الأجل. تدعم المجلات النسائية – متأخرة كالمعتاد في هذه الموضوعات - قضايا الصحة النفسية مع الاستمرار في إبراز مُثُل غير واقعية وتقديم رسائل متناقضة "كن بصحة جيدة وبحال جيد" جنبًا إلى جنب مع إرشادات لإنقاص الوزن وكيف "تبدين أصغر سنًا" وما هي موضة هذا الموسم.

الكم الهائل من هذا المحتوى الفارغ والإفراط في استخدام الكلمات مثل "القلق" وإساءة استخدامها يمكن أن يؤدي إلى فقدان معناها. "رفع الوعي" و "كسر التابوهات" عبارات لطيفة للعلامات التجارية وبوستات انستغرام، ولكن في هذه المرحلة، هل تقوم بتغيير أي شيء حقًا؟

تقول جيني ريجان من منظمة Mind الخيرية للصحة النفسية في رسالة بريد إلكتروني: "نعلم أن التصوير الإعلامي الجيد للأشخاص الذين يعانون من مشاكل الصحة النفسية يمكن أن يكون له تأثير إيجابي حقًا ويشجع الأشخاص على طلب المساعدة. ولكن من المهم أن تكون المساعدة والخدمات متاحة في وقت يتزايد فيه الطلب على خدمات الصحة النفسية، ونرى تأثير ذلك في عدم حصول الأشخاص على المساعدة التي يريدونها عندما يحتاجونها."

وفي بحث أجرته مؤسسة Mind عام 2016، اتفق معظم المشاركين على أنه يتم تصوير الأشخاص المصابين بالفصام بشكل سلبي في الأخبار ووسائل الإعلام الترفيهية مقارنة بالأشخاص الذين يعانون من مشاكل أخرى تتعلق بالصحة النفسية، وقال 45 بالمئة أن الأشخاص المصابين بالفصام يصورون عادة على أنهم أكثر خطورة.

التعاطف والتفاهم والاعتماد على شبكة الدعم الشخصية الخاصة بك أمر حيوي عندما يتعلق الأمر بالصحة النفسية. لكنها أيضًا قليلة التكلفة من الناحية السياسية. من خلال تكرار "حان الوقت للتحدث" فإننا نستخف بالدور الذي يجب أن تلعبه الدولة ومسؤوليتها.

تتفق مع هذا رامونا مكارتني من جمعية The People's Assembly الخيرية وتقول عبر البريد الإلكتروني: "في حين أنه من الجيد أن هناك تغطية متزايدة وحملات حول قضايا الصحة النفسية، إلا أننا بحاجة إلى معالجة السبب الجذري في ارتفاع مشاكل الصحة النفسية، وإلا فإن الوضع سيزداد سوءًا." وأضافت: "يتم تقليص خدمات الصحة النفسية الحكومية فما تنخفض مستويات المعيشة، وقلة فرص العمل وظروف العمل غير العادلة. إذا كان الناس يريدون التحدث عن معالجة جدية لقضايا الصحة النفسية، فيجب أن تكون الحكومة مسؤولة عن هذه الأمور."

في حين أن الحديث عن الصحة النفسية مفيد إلى حد ما، فإننا بحاجة إلى المزيد: المزيد من الضغط على الحكومة. نحن بحاجة إلى إعادة تركيز الطاقات تجاه أولئك الذين يتم إسكاتهم من خلال قصص الصحة النفسية السائدة، و"رفع مستوى الوعي" في المجتمعات العاملة وبين الأقليات. ربما قامت وسائل الإعلام ببعض الأشياء الرائعة للصحة النفسية، ولكن بدلاً من الاعتقاد بأننا معفين من النقد، يجب أن نكون قادرين على الاعتراف عندما نشعر أننا لا نتقدم.