اجهاض


FYI.

This story is over 5 years old.

مرأة

ماذا أفعل، لمن الجأ؟ نساء عربيات يتحدثن عن تجربتهن مع الإجهاض

القفز من أماكن مرتفعة، وضع ثقل كبير على بطني، شرب ماء ورق البصل والبيبسي المغلي

يشهد العالم 25 مليون عملية إجهاض غير آمنة سنويّاً معظمها في الدول النامية، بحسب تقرير منظمة الصحة العالمية، ما يؤدي الى 47 ألف حالة وفاة نتيجة الإجهاض غير الآمن. أسباب الرغبة في الإجهاض كثيرة ومختلفة، كإختلاف تجارب وخلفيات وحياة النساء في العالم، والاجهاض لا يعني النساء غير المتزوجات فقط في المجتمعات المحافظة، بل أيضاً المتزوجات اللواتي لديهن أيضًا أسباب أخرى قد تضطرهن إلى إنهاء الحمل.

وضع النساء في الدول العربية فيما يتعلق بالإجهاض، ليس أسوأ من وضع نظيراتهن في بعض الدول الأوروبية وعدد من الولايات الأمريكية التي تمنع المرأة من إجهاض حملها حتى في حالات الاغتصاب وزنا المحارم أو حدوث تشوهات في الجنين، ويسمح لها بالإجهاض فقط في حال كانت حياتها معرضة للخطر. ولكن أكثر الدول العربية تبيح الإجهاض إذا كان يشكل تهديداً على حياة الأم، وجود تشوهات في الأجنة، أو نتج الحمل عن إغتصاب، أو زنا محارم. للقيام بالإجهاض بشكل قانوني، يجب أن يوافق الطبيب بوجود أحد هذه الأسباب المذكورة، وذلك بحسب معظم القوانين المتبعة في العالم العربي -ما عدا تونس والتي تبيح الإجهاض الآمن في المستشفيات والعيادات الحكومية المرخصة بشرط ألا يزيد عمر الحمل عن 3 أشهر. المرأة التي تجري عملية إجهاض خارج هذه الأطر القانونية (التي وضعها رجال) ليست فقط أكثر عرضة للموت بسبب الإجهاض غير الآمن، ولكنها أيضًا معرضة للسجن والغرامة حسب قوانين كل دولة.

إعلان

الإجهاض هي قضية شائكة ومطروحة طوال الوقت، ما بين المدافعين عن الحق في الحياة والمؤيدين لحق المرأة في جسدها وخياراتها وحياتها. سألنا بعض السيدات من دول عربية مختلفة عن تجارب الإجهاض التي تعرضن لها، كما تحدثت لطبيبين عن تداعيات الإجهاض جسدياً ونفسياً.

كان من المستحيل أن أخبر عائلتي أنني حامل، أبي وأخي سيقتلونني بكل تأكيد

"حدث هذا قبل الزواج، كنا قد عقدنا القران بالفعل، وأنا زوجته طبقا للشرع والقانون ولكن ليس أمام المجتمع والعائلة. لم يكن من الممكن التعجيل بالزواج لأننا لم نكن انتهينا من تأثيث منزلنا بعد، وكان لا يزال أمامنا ما لا يقل عن عام لكي ننتهي من كل ترتيبات الزواج، كما كان من المستحيل أن أخبر عائلتي أنني حامل، أبي وأخي سيقتلونني بكل تأكيد. لم يكن أمامنا أية حلول سوى التخلص من هذا الحمل، وكان الذهاب إلى إحدى العيادات السرية فكرة مرفوضة تماماً بالنسبة لي خوفاً من أن يراني أحدهم، فنحن نعيش في بلدة صغيرة و(مابدي حدا يشوفني بهيك وضع ولا حتى الدكتور أو الممرضة). كان البديل هو الحصول على دواء الاجهاض (سايتوتيك) وهو عقار غير متوفر وممنوع تداوله في الصيدليات، ولكن خطيبي استطاع أن يحصل على 6 أقراص بمساعدة أحد أصدقائه، وكان سعر القرص 10 دينار (14 دولار). أخت زوجي الكبيرة كانت خير معين لي في هذا الوقت، أخبرها أخوها بما حدث وطلب منها أن تقف بجانبنا وتساعدنا لعبور هذه الأزمة. احتضنتني وقت ضعفي وطمأنتني وكانت تحاول طوال الوقت أن تمحو من داخلي الإحساس بالذنب فكانت تذكرني دائماً أن هذا الرجل زوجي أمام الله وأنني لم أرتكب معصية. أخذت أربعة أقراص مباشرة وانتظرت أكثر من 12 ساعة دون أن يحدث أي شيء سوى بعض الآلام والتقلصات في البطن. وبدأت أفكر في أخذ القرصين الآخرين وأنا في أقصى حالات التوتر لأن الوقت يمر ولا أعرف ماذا سأفعل إن فشلت تلك المحاولة. بعد عدة ساعات أخرى كانت معاناتي قد أوشكت على الانتهاء بعدما شعرت بتدفق الدماء أخيراً. اصطحبتني أخت زوجي إلى إحدى العيادات الطبية الخاصة وأصرت على أن أقوم بإجراء عملية تنظيف للرحم لكي لا يؤثر هذا الإجهاض على الحمل مستقبلاً. تزوجنا بعد عام وثلاثة أشهر من هذه الحادثة وأنجبنا يزن، 3 سنوات. ولم يتحدث ثلاثتنا (أنا وزوجي وأخته) عن هذه العملية من بعدها أبداً. دخلت في طي النسيان تماماً، ولكنني ما زلت أتذكر ما حصل، وأطلب الرحمة والمغفرة." - رنا، 32، الأردن

إعلان

أنا وزجي لسنا نادمين على هذا القرار، "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها"

"مررت بهذه التجربة في وقت عصيب في حياتي. كنت قد تعرضت لحادث سير منذ عدة سنوات تسبب في كسر ساقي اليسرى ودخولي في سلسلة من العمليات الجراحية لتركيب شرائح ومسامير. ووسط كل هذه الأحداث لم أنتبه أن دورتي الشهرية تأخرت شهرين متتاليين، وفي البداية تخيلت أن أعراض الحمل التي كنت أشعر بها هي بسبب أدوية العظام والمسكنات التي كانت تؤلم معدتي وتشعرني بالدوخة والغثيان. أصابني الهلع عندما تأكدت أني حامل، فأنا أم لطفلين في الرابعة والسادسة من العمر، وأعاني من كسر مضاعف في ساقي، وأتعاطى الكثير من الأدوية التي قد تؤدي إلى تشوهات الجنين. كان الاحتفاظ بهذا الطفل أمر شبه مستحيل بالنسبة لي على جميع المستويات الصحية والنفسية. وقد كان قرار الإجهاض قراراً مشتركاً بيني وبين زوجي الذي كان أكبر الداعمين لي في هذا الموقف. لكن الطبيب لم يوافق على إجراء عملية الإجهاض لأن عمر الجنين تجاوز 120 يوماً، وقد أشارات الفحوصات الأولية أنه لا يعاني تشوهات واضحة، كما أن الحمل لا يشكل تهديداً مباشراً على حياتي، من وجهة نظره. في النهاية، أوصى بعرضي على لجنة طبية لفحص حالتي وتقرير مصير الجنين. لم يكن أمامنا الكثير من الوقت للمزيد من المحاولات مع لجنة طبية أخرى، فقررنا السفر إلى مصر وأجرينا عملية إجهاض في عيادة أحد الأطباء الكبار بمبلغ 15 ألف جنيه. لم تكن التجربة سهلة على الإطلاق ولكن أنا وزجي لسنا نادمين على هذا القرار، "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" وأنا لم يكن في سعتي أو استطاعتي أن أعتني بطفل رضيع وأنا في هذه الحالة." - أمل، 32، السعودية

إعلان

نصحني الطبيب أن أذهب إلى البيت وأقوم بسحب طرف الخيط الموصول في اللولب بقوة مرة واحدة

"لم تعد الحياة بالسهولة التي يمكن معها إنجاب أربعة أو خمسة أطفال كما كانت تفعل أمهاتنا، ناهيك عن أن هناك جيل كامل لا يريد أن ينجب المزيد من الأطفال في هذا العالم، الحالة الاقتصادية المتدهورة والظروف الإنسانية الصعبة التي نعيشها في سوريا كانت هي الأسباب الرئيسية وراء قرار الإجهاض. أنا لست الحالة الوحيدة، فلقد شهدت على مدار السنوات القليلة الماضية العديد من حالات الاجهاض، لدرجة أنني بدأت أؤمن أن هذه التجربة قدر مكتوب على كل نساء العالم. لدي ولدين ولا أريد المزيد، لا في الوقت الحالي ولا في أية وقت آخر. أجهضت منذ عدة أشهر للمرة الثانية. في المرة الأولى كنت أشعر بالمسؤولية لأنني لم أكن أستخدم وسيلة آمنة لمنع الحمل، وكدت أموت نزفاً بسبب دواء الإجهاض الذي اشتراه لي زوجي من السوق السوداء لأنه ممنوع تداوله في الصيدليات. لكن في المرة الثانية كنت أشعر بالظلم لأنني كنت استخدم (لولب) لذلك لم أهتم على الإطلاق عندما تأخرت دورتي الشهرية، فأنا في أمان – أو هكذا كنت أظن. عندما سمعت من الطبيب أنني حامل أخبرته على الفور أنني لا أريد هذا الطفل، وكنت أشعر بالغضب الشديد. حاول الطبيب تهدئتي وطلب مني أن أمنح نفسي فرصة للتفكير في الأمر لمدة يومين بعد استيعاب الصدمة. على مدار اليومين لم أكن أفكر إلا في وسيلة للتخلص من هذا الحمل. رفض زوجي تماماً أن أقوم بإجهاض نفسي في المنزل باستخدام أقراص الإجهاض خوفاً على حياتي، ولكنني حاولت جاهدة أن أفعل ذلك بكل الطرق الممكنة بداية من القفز من أماكن مرتفعة مثل خزانة الثياب أو السرير بشكل متكرر، وضع ثقل كبير على بطني، وحمل أشياء ثقيلة وحتى شرب ماء ورق البصل والبيبسي المغلي - وهي مواد يقال أنها تساعد في الإجهاض. وبعد يومين ذهبت إلى طبيبي مرة أخرى، وكان هو الذي نصحني باستخدام اللولب كوسيلة لمنع الحمل، رجوته وأنا أبكي أن يساعدني خصوصا أنه على دراية بأحوالنا المادية وأننا لا نملك ثمن العملية التي قد تصل إلى 80 ألف ليرة (155 دولار) وهو مبلغ كبير في سوريا. نصحني الطبيب في النهاية أن أذهب إلى البيت وأقوم بسحب طرف الخيط الموصول في اللولب بقوة مرة واحدة أن أتوجه إلى المستشفى فوراً في حالة نزول دماء، ووعدني أن يحضر لي دواء الإجهاض إذا فشلت هذه المحاولة. نجحت المحاولة، ولكني كنت أعاني من حالة نزيف حادة تطلبت نقل دم ودخولي غرفة العمليات لإجراء عملية تنظيف رحمي والسيطرة على النزيف." - نعمة، 30، سوريا

إعلان

أكثر المتضررات من الإجهاض هن الفقيرات غير القادرات على الحصول إجهاض آمن

"أنا مع حق المرأة في الإجهاض الآمن وفي الاختيار، ولا أتقاضى أجراً مقابل هذه العملية. نعم أجريت هذه العملية 3 مرات، وفي كل مرة كنت أشعر أنني أقوم بواجبي في إنقاذ حياة إمرأة من الموت لانها لم تتلقى الرعاية الصحية المناسبة، خصوصاً إن كانت لا تملك ثمن تلك العملية التي يتقاضى عليها بعض الأطباء مبالغ ضخمة. أكثر المتضررات من الإجهاض هن الفقيرات غير القادرات على الحصول إجهاض آمن بسبب القيود القانونية أو لعدم قدرتهن على دفع ثمن العملية، فيلجأن لحلول خطيرة قد تتسبب في موتهن مثل الوصفات الشعبية أو القفز من مكان مرتفع أو تناول أدوية قد يكون لها مضاعفات مثل النزيف الشديد، أو التسمم نتيجة حدوث إجهاض جزئي والعديد من المضاعفات الأخرى التي قد تسبب الوفاة. هذا غير منصف ابداً، لأن النساء الميسورات مادياً لديهن فرصة أكبر لتلقي خدمات صحية بكرامة وجودة عالية في عيادات معقمة ومجهزة. كما أن تجربة الإجهاض قاسية على جسد المرأة وتظل تعاني من آثارها النفسية لفترة طويلة بسبب إحساس الفقد والتخلي عن طفلها." - الدكتور سعد (إسم مستعار)، طبيب نسائية

تخرج المرأة من هذا التجربة وهي منهكة تماماً وفاقدة الثقة في كل من حولها

"الإجهاض المتكرر غالباً يكون مرتبط بسيدات أو فتيات تعاني من إضطرابات شخصية أو إدمان، حيث يكون لديهن رغبة في مواجهة الخطر والموت عقاباً وانتقاماً من أنفسهن. فتكرار نفس الخطأ الذي يؤدي إلى تكرار عملية الإجهاض هو في حقيقة الأمر تعبير عن عجز الفتاة وكراهيتها لذاتها. أنا لا أتعامل مع الموضوع باعتباره أزمة أخلاقية - أو باعتباره أزمة في حد ذاتها- أنا أتعامل مع حالة مرضية أصيبت بصدمة عصبية بسبب حدوث تحول هرموني في جسدها، هذا بالإضافة إلى صدمة إدراكها لرغبتها في إيذاء ذاتها. بالنسبة للإجهاض غير الشرعي، فقد صادفت الكثير من الحالات المأساوية كان أبرزها، حالة فتاة قاصر، كانت حامل بلا زواج، وقد اكتشفت الأم ذلك وبدأت ترتب عملية الإجهاض للتستر على ابنتها، كنت أنا على علم بكل التفاصيل لأنني كنت الطبيبة النفسية لهذه الفتاة. قبل عملية الإجهاض بأيام قليلة مرضت الفتاة وتم اصطحابها إلى المستشفى، وقالت الأم للطبيب الذي يعالج ابنتها أن الفتاة حامل وتوسلت إليه ألا يخبر أبوها بذلك، ولكن للأسف الشديد قام الطبيب بإبلاغ الأب أن ابنته حامل، بدافع الحفاظ على قيم المجتمع وأن الفتاة زانية وتستحق القتل، فما كان من الأب سوى أن قتل ابنته بالفعل داخل المستشفى. الفتيات اللاتي يعشن في مجتمعات موازية أكثر انفتاحاً وحرية، يتعرضن أيضاً للكثير من الابتزازات والمضايقات والصدمات التي تعد أقسى من تجربة الإجهاض نفسها. لقد رأينا هذا في العديد من الأفلام مثل فيلم "ديل السمكة" للمخرج يسري نصر الله. في حقيقة الأمر الواقع أكثر إيلامًا مما نراه على شاشة السينما، لأن التجربة في الواقع أطول وأكثر قسوة وتخرج منها الفتاة وهي منهكة تماماً فاقدة الثقة في كل من حولها وتحتاج إلى دعم نفسي كبير." -الدكتورة أميرة الأدهم، طبيبة نفسية، وحدة متابعة حالات ما بعد الإجهاض في مستشفى إمبابة العام

رسوم زارين صلاحي.