Mia Khalifa

مريم علي العميرة

مرأة

‎ميا خليفة كمثال- العمل بالجنس بين التمكين والانتهاك

يُمكننا أن ننتقد صناعات الجنس والتربح من تسليع أجسام النساء دون أن نتحامل عليهنّ

أجرت الممثلة اللبنانية ميا خليفة مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية تتحدث عن صناعة أفلام البالغين المعروفة بـ الأُفلام الإباحية ووضعها كامرأة عربية دخلت الصناعة حديثًا وفي سن صغيرة. ميا ليست الأولى التي تتحدث عن انتهاكات تواجهها ممثلات أفلام البالغين، وتقديمها كعمل سهل يمكن للنساء امتهانه والتحصّل منه على أجور عالية من المفترض - ولكن لم تدخر ميا خليفة خلال سنوات عملها سوى 12 ألف دولار.

ما تضعنا ميا أمامه اليوم لفتة هامة عن أوضاع النساء داخل صناعات الجنس، بين مَن يرونها صناعة مُجزية، وتضمن حقوق العاملات بها بالتعاقد، وبين أشخاص يرونها تسليعًا لأجسام النساء لتحقيق فائض ربحي للمُنتجين. دون أن نرى قصة ميا خليفة ونساء أخريات امتهنوا الجنس، لا يمكننا تحديد موقف عن صناعة الجنس كأداة تمكين للنساء؛ لأنها مهنة موصومة اجتماعيًا، وغير سهل على العاملات بها الاندماج في مجتمع يراهنّ فاسدات أخلاقيًا، لا سيما النساء العربيات اللواتي يُعانين من ربط أجسامهن بمفاهيم مثل الشرف والقيم الأخلاقية.

إعلان

ناقشت بعض نسويات الجنس الإيجابي العمل بالجنس التجاري وصناعة المحتوى الإباحي كآليات تمكين النساء من أجسامهن وملكيتهن هذه الأجسام التي طالما وقعت تحت سيطرة الأبوية. ورأينّ أن تجريم هذه المهن، اضطهاد للعاملات بها

حروب الجنس النسوية
تأخذنا الممثلة الشابة إلى عالم صناعة أفلام البالغين والذي لم تكن جدلياته وليدة اليوم. تجادلت النسويات "الراديكاليات" مع نسويات الجنس الإيجابي في السبعينيات، حول مفاهيم تحرر الجنس والجنسانية، عُرفت بحروب الجنس النسوية. فمن جهة، ترى الراديكاليات أن صناعة الجنس الإباحي امتداداً للقهر الذي تتعرض له النساء من النظام الأبوي، وتتجاهل التاريخ وراء التحاق العديد من النساء بها والتي منها الظروف الاقتصادية، الاستغلال الجنسي، والاتجار بالبشر. أما نسويات "الجنس الإيجابي" فيعتبرن ذلك تدخلًا ووصاية على حرية اختيار للنساء، وسلب لأهليتهن. وقد ناقشت بعض نسويات الجنس الإيجابي العمل بالجنس التجاري وصناعة المحتوى الإباحي كآليات تمكين النساء من أجسامهن وملكيتهن هذه الأجسام التي طالما وقعت تحت سيطرة الأبوية. ورأينّ أن تجريم هذه المهن، اضطهاد للعاملات بها، سواء في الشوارع أو على الانترنت. كما أنها تشدد من رقابة الدولة على الحريّات الجنسية وتضعها في بؤرة الاهتمام الأمني. الأمر الذي وصفنه بأنه خطاب يميني محافظ يخالف النسوية كحركة تحررية.

هل صناعة وتجارة الجنس تحقق استقلالية للنساء؟
في ظل هذه النقاشات النسوية، السؤال الآن هو كيف تكون أفلام البالغين أداة تمكين للعاملات بها واستعادة ملكية أجسامهن، في حين أنها تقوم على معايير تخالف ذلك، وقد تصل إلى انتهاكات شائعة في صناعة الجنس كبيئة عمل غير آمنة للنساء؟ أشارت ميا في المقابلة، أن أفلام البالغين تؤثر على العاملات بها وتؤثر على المشاهدين والمشاهدات، لأنها تقدم صورة خيالية عن أجسام النساء وعن العلاقات الجنسية. يُمكنني أن أضيف هنا ظروف العمل في صناعة أفلام البالغين، والتي تشترط مؤهلات جسمانية معينة قد تُكلف الممثلة عشرات الآلاف من الدولارات لتُجري عمليات تجميل تُناسب ظهورها على الشاشة كامرأة بيضاء، ملساء، مشدودة الجلد، ذات ثدي مرفوع، مؤخرة مستديرة، ومهبل ورديّ اللون. روت ممثلات سابقات في بعض الشهادات عن تجويع يصل إلى أيام بدون طعام ونزيف، إن كانت المشاهد المصوّرة عن الجنس الشرجي. أما عن الممثلين الرجال، قد يتم حقن القضيب بمواد كيميائية تُزيد من حجمه وطوله، وتُؤخر القذف.

إعلان

عندما يغلق الأشخاص الموقع الالكتروني، يذهبون إلى حياتهم الشخصية حيث لا تتحقق المعايير التي شاهدوها على الشاشة مع شركائهم/ن، مما يسبب قلة ثقة بالنفس، القلق، والاكتئاب، الانفصال، والعنف المنزلي. لذلك، حتى لو حققت صناعة أفلام البالغين تمكين للعاملات بها، فإنها ذات تأثير سلبي على المشاهدين والمشاهدات. من هنا أتت الحاجة إلى أفلام بالغين واقعية، لا تصوَّر الممثلات فيها مجرد أدوات إثارة جنسية، ولا تتعرض فيه العاملات لاستغلال أصحاب العمل والمُنتجين الرجال. أُطلق عليه اسم: "بورن نسوي" ومازال قيد التحديث مع تزايد عدد المُنتجات والممثلات.

تعبر عاملة الجنس التجاري السابقة "باريس ليس" في مقابلة مع فايس عن سئمها من الخطاب الذي يروج للنساء العاملات في تجارات الجنس بأنهن ضحايا يحتاجن إلى إنقاذ من قبل النسويات البيضاوات، مُغايرات الجنس اللواتي يحتكرن الحديث عن الجنسانية وكأنهن أعلم بأمور النساء الأخريات من أنفسهن. ولا يأخذن في الحسبان معايير أخرى مثل الطبقة الاجتماعية للعاملات، ظروفهن الاقتصادية، أعراقهن، ولون بشرتهن. وتشير باريس أن هذه المهنة كانت مجزية لها اقتصاديًا، وساعدتها بالتحكم بجسمها كامرأة.

يُمكننا أن نعتبر العمل بالجنس مهنة تستخدم الجسد، كالعمل المنزلي ، وألا نغفل أسباب انتشارها القائمة على التحيز الجنسي والتشييء. يُمكننا أن نتعامل معها باعتبارها وظيفة لن نعمل بها، ولا نتعالى قيميًا على العاملين/ات

ولكن لا يمكننا أن نتجاهل أن سوق صناعتي الجنس التجاري وأفلام البالغين، لها معاييرها التمييزية كمهنة. باريس الأمريكية البيضاء تقع في منزلة اعلى نسبيًا من مايا خليفة العربية غير المُنتمية للعرق الأبيض، أو ممثلة أفلام بالغين سوداء، كما تُشير الكاتبة "سيوبان فينتون" على الإندبندنت البريطانية. "باريس" أيضًا في منزلة أقل من عاملة جنس بيضاء مُغايرة، ومن طبقة اجتماعية متوسطة، لأنها عابرة جنسيًا.

حول مفهوم الضحية وإعادة القبول الاجتماعي
تقول الكاتبة والباحثة "روتفيكا أندرسيفيتش" في كتابها: "الهجرة، الأهلية، والاتجار بالجنس" أن خطاب الضحية مقابل خطاب الوصم بالعُهر، slut-shaming، قد يُفيد نساء معتزلات لهذه المهن في استعادة قبولهن اجتماعيًا. وذلك لأن زعم امرأة ما أنها كانت ضحية اندفاعها، أو أجبرت على تجارة الجنس، يُغذي التصوّر الذهني عن أن النساء ضعيفات، ومسلوبات الإرادة. قد يساعد هذا في قبولهن مرة أخرى، بوصفهن "تائبات" عن جُرم وفساد أخلاقي. يُمكننا ملاحظة كلمات ميا عن الشعور بالخزي، وبأن سنها الصغيرة دفعتها للمهنة. كما أنها قدمت سببًا آخر لكونها ضحية بسبب الوزن والتنمر. نجحت هذه الاستراتيجية جزئيًا، حيث تنوعت التعليقات بين نساء أدركنّ ما ترويه ميا خليفة، ورجال يستهزؤون منها، ويضعون روابط لأفلامها، والتأثيرات السلبية لهذه الأفلام على أسرتها والمقربين منها.

في قصة ميا خليفة وغيرها، لا يسعنا القول بأنهن ضحايا، مُجرمات أو مُمكنّات. كما لا يسعنا القول أن تجريم العمل بتجارات الجنس، سيُحسّن أوضاع النساء. يُمكننا أن ننتقد صناعات الجنس والتربح من تسليع أجسام النساء، دون أن نتحامل عليهنّ، ودون أن نضعهن أهدافًا سهلة للأجهزة الأمنية، ولمجتمعاتهن المحلية التي قد تنبذهن أو تقتلهن. يُمكننا أن نعتبر العمل بالجنس مهنة تستخدم الجسد، كالعمل المنزلي ، وألا نغفل أسباب انتشارها القائمة على التحيز الجنسي والتشييء. يُمكننا أن نتعامل معها باعتبارها وظيفة لن نعمل بها، ولا نتعالى قيميًا على العاملين/ات. فالممارسات الجنسية لا تتم بدون مقابل، إن لم يكن الحب، فقد يكون المال، المأوى، الطعام، أو محاولات النجاة.