GettyImages-1444432177

Dean Mouhtaropoulos/Getty Images

كأس العالم ٢٠٢٢

مونديال قطر: مباراة أخرى بين البلد المنظم والإعلام الغربي

"خسارة قطر في كأس العالم تثبت أن ثمة شيء لا يمكن شرائه بالمال"

في الوقت الذي تستضيف فيه قطر بطولة كأس العالم كأول بلد عربي مسلم يستضيف هذا الحدث الرياضي الضخم، ركزت معظم وسائل الإعلام تغطيتها على البلد الخليجي وسياساته وحقه في استضافة أهم حدث في العالم، كونها "دولة لا تحترم حقوق الإنسان" وأن استضافة قطر لكأس العالم هي "غسيل رياضي" يشوّه صورة كرة القدم. 

الهجوم الإعلامي وحتى الرسمي على قطر، التي تخوض واحدة من أهم تجاربها منذ الاستقلال عام 1971، كان قد بدأ قبل أسابيع من بدء المونديال، وتركز في معظمه على  انتهاكات تخص حقوق العمال في قطر، بالإضافة إلى حقوق النساء ومجتمع الميم (سُمح للمشجعين أخيراً حمل الأعلام والقبعات الملونة بألوان قوس قزح بعدما تم سابقاً مصادرتها) ولكنه بعد بدء المونديال أخذ منحى مختلف.

إعلان

رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" جياني إنفانتينو اتخذ صف الدفاع عن قطر قائلاً أن "الشعارات والدروس الأخلاقية تنم عن النفاق، وظروف العمال في دولة قطر أفضل من ظروف المهاجرين في أوروبا" وذلك في رد واضح وصريح على الدول الأوروبية التي استنكرت "إعطاء شرف البطولة لهكذا دول" كما جاء على لسان وزيرة ألمانية أكتوبر الماضي، مما سبب أزمة دبلوماسية بين قطر وألمانيا في حينها. 

صحفي إسرائيلي تحتل بلاده بلداً آخر وترتكب بحقه الجرائم بشكل يومي استغل "انتقاد حقوق الإنسان في قطر" كي يسأل المغني الكولومبي مالوما عن قراره بأداء الأغنية الرسمية للمونديال رغم "تاريخ قطر السيء" بما يتعلق بحقوق الإنسان، مما جعل الأخير يصف الأول بالوقاحة وينسحب من اللقاء التلفزيوني فوراً.

هل التغطية الإعلامية للمونديال عنصرية وفوقية بحسب البعض، أم أنها محايدة؟ لننظر لبعض التقارير التي تم نشرها مؤخراً.

خسارة قطر
بعد انتهاء الحفل الافتتاحي وخسارة منتخب قطر أول مباراة في المونديال ضد نظيره الإكوادوري بهدفين مقابل لا شيء، نشرت صحيفة التليغراف البريطانية مقالاً بعنوان "هل كانت هذه أسوأ مباراة افتتاحية في كأس العالم على الإطلاق؟" فيما نشرت صحيفة الإندبندنت البريطانية صورة على صفحتها على فيسبوك كتب عليها "خسارة قطر في كأس العالم تثبت أن ثمة شيء لا يمكن شرائه بالمال" في تلميح واضح لوجود امتيازات ما حصلت عليه قطر عن طريق دفع الرشاوى.

إعلان

قناة بي بي سي البريطانية قررت عدم عرض افتتاحية كأس العالم، وركزت على انتقادات تتعلق بحقوق الإنسان في قطر في وقت الافتتاح. مما جعل القناة تتلقى نحو 1،500 شكوى من المشاهدين واصفين تغطيتها لكأس العالم بأنها  "غير عادلة" و"أحادية الجانب" ذلك بسبب الفرق الكبير بين حجم التغطية التي حظي بها مونديال قطر مقارنة بمونديال روسيا عام 2018.

كما اختار مراسل على قناة فرنسية أن يركز على وجود "مساجد كثيرة" في قطر عندما تم سؤاله عن كأس العالم في قطر، وهو ما اعتبره المذيع المستضيف أمراً مضحكاً. ما الغريب في وجود مساجد في بلد إسلامي، ولماذا احتاج المراسل لذكرها من الأساس؟ هل كان سيذكر الكنائس الكثيرة إذا كان البلد المستضيف بلداً أوروبياً؟

أسعار السكن في قطر
كان هناك عدد من التقارير التي ركزت على أماكن السكن في قطر وأسعارها في قطر، وهو موضوع يستحق التغطية.

صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية نشرت تقريراً عن آراء النزلاء السلبية في غرف (قرية المشجعين) والتي تبلغ تكلفة الغرفة الواحدة فيها 200 دولار أمريكياً في الليلة الواحدة بعنوان فرعي يقول "الإعلان لم يكذب، ولكن حياة الحاويات المتنقلة ليست للجميع" في إشارة للغرف أنها عبارة عن حاويات شحن متنقلة -الموقع الرسمي للقرية يشير صراحة إلى أن الغرف عبارة عن كرفانات.

شبكة "أيه بي سي" الأسترالية نشرت تقرير عن ما وصف بأنه "جحيم" السكن داخل كبائن قرية المشجعين في روضة الجهانية في الدوحة، والتي تبلغ كلفة الليلة الواحدة فيها 330 دولاراً. تحدث التقرير عن الضوضاء من مكيفات الهواء داخل الغرف/الحاويات.

إعلان

مشجعين زائفين
صحيفة الجارديان نشرت تقريراً بأن بعض المشجعين في قطر هم مشجعين زائفين ذلك بناء على فيديو لمشجعين من الهند يشجعون المنتخب الإنجليزي، مع العلم أن سكان قطر أصلاً في غالبيتهم مغتربون، ولديهم الحق أصلاً بتشجيع فرق مختلفة. كما أثار الموضوع غضب هؤلاء المشجعين الذين قالوا إن لهم شغفًا بكرة القدم لا غير.

كما أشار تحقيق آخر لبي بي سي حول مزاعم المشجعين المزيفين في الدوحة، أن عدد من المشجعين من بلدان مختلفة حصلوا على رحلات طيران وإقامة مجانية مقابل نشر تأكيدات إيجابية حول البطولة على وسائل التواصل الاجتماعي، بالإضافة إلى مطالبتهم بالإعجاب بمواد أخرى عبر الإنترنت ومشاركتها.

التقرير تحدث لبيير كورني، المسؤول الصحفي بالاتحاد البلجيكي لكرة القدم، والذي قال إن المشجعين حصلوا أيضًا على "تذكرة مجانية واحدة للمباراة الأولى وحفل الافتتاح" وقال إن العرض لم يقدم فقط للجماهير البلجيكية ولكن "لجميع الدول التي تلعب في كأس العالم."ولكنه أشار أيضًا إلى أن الكثير من المشجعين الذي ذهبوا لقطر لم يوقعوا الاتفاق - بمعنى أن الإتفاق غير ملزم.

اللجنة العليا لقطر 2022 نفت موضوع المشجعين الزائفين، وجاء في بيانها: "العديد من الصحافيين والمعلقين على وسائل التواصل الاجتماعي تساءلوا عما إذا كان هؤلاء معجبين حقيقيين. نحن نرفض بشدة هذه الأخبار التي تعتبر مخيبة للآمال وغير مفاجئة.. تتكوّن قطر وبقية العالم، من مجموعة متنوعة من مشجعي كرة القدم، وكثير منهم يتشاركون علاقات عاطفية مع دول متعددة."

إعلان

عنصرية
عقب فوز الفريق الإيراني على ويلز بهدفين دون مقابل يوم الجمعة الماضية، ضمن منافسات المجموعة الثانية، اعتبر مذيع بي بي سي غابي لوغان أن فور إيران سببه "ألاعيب" الفريق الإيراني. يورغن كلينزمان، نجم المنتخب الألماني السابق وأحد أشهر لاعبيه، أكّد على تلميح لوغان قائلًا: "نعم، هذه ثقافتهم.. إنها نهج متبع لديهم" متهماً الفريق الإيراني بأنهم يتعمدون إنهاك الحكّام وإلهاءهم وتشتيت تركيزهم، وأن "ذلك جزء من ثقافتهم."

مهاجم المنتخب الألماني السابق ساندرو فاغنر أدلى بتصريح اعتبر عنصرياً كذلك حول الرداء التقليدي للرجال بقطر أثناء تعليق تلفزيوني خلال مباراة ألمانيا وإسبانيا في كأس العالم الأحد.

وقال فاغنر خلال تعليقه لصالح قناة "زد دي إف" الألمانية على مباراة تعادل فيها الفريقان بهدف لكل منهما في الدقيقة التاسعة والسبعين، إنه اعتقد أن أحد جهات ملعب البيت كانت تعج بالمشجعين الألمان. وتابع: "أدركت لاحقاً أنهم يرتدون رداء الحمام القطري" على حد قوله.

أوضاع العمال
لا يزال تقرير صحيفة الغارديان والذي يتحدث عن أن ٦،٥٠٠ عاملاً وافداً لقوا حتفهم خلال السنوات العشرة الأخيرة، أي منذ فوز قطر باستضافة كأس العالم، يتم الاستشهاد به على الرغم من أن الأرقام ليست دقيقة.

إعلان

تقول قطر أن العدد الإجمالي مضلل وليست جميع الوفيات المسجلة هي لأشخاص عملوا في مشاريع لها علاقة بكأس العالم. وأوضحت أن سجلات الحوادث الخاصة بها تبين أنه بين عامي 2014 و2020 كانت هناك 37 حالة وفاة بين العمال في مواقع بناء ملاعب كأس العالم، ثلاثة منها فقط لها علاقة بالعمل -تعتبر قطر الوفيات الناجمة عن النوبات القلبية والتوقف عن التنفس "أنها مرتبطة بالعمل رغم أن هذه أعراض شائعة لضربات الشمس الناتجة عن العمل الشاق في درجات حرارة عالية.

هذا لا ينفي الأوضاع المعيشية القاسية التي يعيشها العمال في قطر. منظمة العفو الدولية نشرت فيلماً في سبتمبر الماضي ترصد فيه الوضع المعيشي للعمال في قطر قائلة أنهم "يعيشون بدون ماء ولا كهرباء، في مهاجع مكتظة بدرجة حرارة 50 مئوية. يعملون 12 ساعة في اليوم، سبعة أيام في الأسبوع، وبالنسبة لهم فإن قانون العمل مجرد وهم والعمل القسري هو حياتهم اليومية."

الحديث عن الانتهاكات بحق العمال والأقليات يجب أن تكون دعوة للتغيير للأفضل، وليس دعوة لعيش دور الضحية بشكل أبدي. وهناك نتيجة جيدة لتسليط الضوء على هذه الانتهاكات، فقد قامت قطر بعدد من التعديلات بما يخص حقوق العاملين الوافدين هناك، وقال نائب مديرة قسم الشرق الأوسط في هيومن رايتس ووتش مايكل بيج أن قطر "عوّضت بعض العمال الوافدين الذين واجهوا انتهاكات جسيمة، لكن بالنسبة للكثيرين، أنشِأت هذه البرامج بعد فوات الأوان ولا تزال بحاجة إلى تطوير."

قارن البعض بين تغطية المونديال في الصحافة الغربية والعبارات العنصرية التي أطلقها العديد من المراسلين الدوليين سابقاً أثناء تغطية الحرب على أوكرانيا، والتي لم يتلقى أي من هؤلاء المراسلين أي عقاب يتناسب مع الخروج بأوصاف عنصرية ضد اللاجئين العراقيين والسوريين بشكل مباشر وصريح.

قطر من جهتها، لم تحاول أن تحارب أي من الصور النمطية كبلد مسلم خلال حفل افتتاحها، بالعكس تماماً. بدء الحفل الافتتاحي بآية من القرآن الكريم تقول "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا." كما كان الطابع البدوي هو الطابع المسيطر على الحفل، فكانت السيدة الرئيسية على المسرح ترتدي خماراً، وهو غطاء الوجه الذي تطالب الكثير من الدول الأوروبية بمنعه، كما قامت بمنع المشروبات الكحولية إلا في الفنادق والبارات. لكنها في نفس الوقت قالت أنها تحترم الضيوف من كل مكان، ولكنها تريد منهم أن يحترموا ثقافة الشعب القطري.