8 دروس تعلمتها في هذا العام

الصورة عبر DALL-E

2023

8 دروس تعلمتها في هذا العام

تعلمت أن أهتم بنفسي وأعتني بها، فلا شيء ثابت ولا شيء عادل
غوى أبي حيدر
Beirut, LB

عام ٢٠٢٣ عام مرعب بالنسبة للكثيرين. بدأ بزلزال مدمر ضرب تركيا وسوريا، وأودى بحياة آلاف الأبرياء. ثم اندلعت نزاعات دموية في السودان، أسفرت عن مقتل الآلاف أيضًا. واختتم العام بمجزرة غزة، التي هزت العالم بأسره. لقد علمتنا الأحداث المتتالية في هذا العام دروسًا عميقة حول معنى الحياة والوجود. لقد جعلتنا نتساءل عن مكاننا في هذا العالم، وعن قدرة الإنسان على التأثير على مجرى الأحداث. بالنسبة لي، كانت هذه الأحداث بمثابة صدمة وجودية، فقد أعادت إلى ذاكرتي مخاوفي التي عشتها في بداية شبابي عندما أدركت أن النظام العالمي لا يرحم، وأن الإنسان لا حول له ولا قوة أمامه. لا أعلم إن كانت الدروس التي سآخذها معي إلى ٢٠٢٤ مفيدة أو ستغيّر بي شيئًا، وأخاف أن تدخل أكثر ضمن الصدمات أو التروما، وهنا عليّ أن أسأل: هل الصدمات تبنينا أم تهدمنا؟ لا أعلم.

إعلان

حتى نجد هذه الإجابات سنقدّم لكم/ن الدروس التي سآخذها معي إلى ٢٠٢٤، وهذه دروس قد تنطبق على الكثير منّا في هذه الأوقات التي تتركنا من دون أمل، بل مع الكثير من الحزن والخوف والأفكار الوجودية. 

العالم ليس متطور كما كنّا نظن
كنا نعتقد أننا في ثورة تكنولوجية وأن العالم في ذروة تطوره. لكن مع الحروب التي نعيشها والمجازر التي ترتكب من حولنا نشعر وكأننا فشلنا في كل شيء. العالم لا يزال كما كان منذ زمن طويل، الشيء الوحيد الذي تطور ربما هو الأسلحة ويمكن توثيق الأحداث فور حدوثها ولن يحدث شيء. وعلينا أن نقف ونبحث مجددًا عن البوصلة الأخلاقية، فقد ضاعت.

هل نبدأ بأنفسنا مثلاً؟ هل سيتغير شيء بعد هذه الحرب؟ هل سنشعر أنّ العالم أصبح أكثر عدالة؟ أم أنّنا سنستسلم ونقتنع أنّ الأرض هي أسوأ كوكب للعيش؟ علّمني هذا العام ألا أنتظر أن يكون العالم أفضل مما هو عليه، وأن التطور لا يعني وجود بوصلة أخلاقية، وأنه حتى لو تم توثيق الأحداث المروعة فلن يتغير شيء. كما تعلمت أن التكنولوجيا يمكن أن تكون سلاحا ضدنا، و وأن التطور لا يعني شيئًا. علمني هذا العام أن لا شيء ثابت، وأنه لا توجد فلسفة حالية يمكن أن نتبناها، فلا شيء مستقر، وكل الأشياء تتغير، والبوصلة تتغير.

علينا ألّا ننسى الطبيعة 

مع الزلازل التي حدثت هذا العام، ظنّ الكثيرون أن الطبيعة كانت تحاول أن تقول شيئًا ما. ومع ذلك، قد يكون الأمر أكثر منطقية من كل هذا. شهد العالم في ٢٠٢٣ كوارث طبيعية مميتة، بما في ذلك الجفاف والفيضانات والزلازل. الطبيعة لا تنتقم من أحد وهي ليست بموقع انتقام أو موقع شرّ، بل يجب علينا أولًا أن نفكر فيما نفعله قبل أن نفكر في رد فعل الطبيعة.  لا بدّ أن ندخل العام الجديد بمحاولات لتغيير شيء ما في أنفسنا فيما يتعلق بالتعامل مع الطبيعة. ربما تكون الكوارث الطبيعية التي وقعت في العام الماضي بمثابة تذكير بأننا جزء من كل شيء، وأن كوكب الأرض هو أمنا ويجب علينا الاعتناء به.

إعلان

الخسائر تأتي فجأة، وليس من الضروري أن نكون جاهزين لها

في ١٣ أكتوبر، تلقينا خبر مقتل صديقنا عصام عبد الله على الحدود اللبنانية بقصف إسرائيلي أثناء ممارسته عمله الصحفي. ربما كان هذا هو أصعب درس لي هذا العام. الخسائر تأتي فجأة. لم يسبق لي أن شهدت الموت المفاجئ في حياتي، وكانت هذه المرة الأولى لي. والأصعب من ذلك كله هو أن الموت يأتي مصحوبا بالكثير من الغضب، ونعلم أن المجرمين لن يحاسبوا. أفكر في عدد الأشخاص الذين فقدوا أحباءهم فجأة بسبب الحرب والصراع، وأعتقد أنه لم يكن ينبغي لنا أن نتلقى هذه الدروس بهذه الطريقة. 

ألّا أعزل نفسي أبدًا 

خلال الفترة الأخيرة، عزلت نفسي في المنزل وحاولت أن أمنع نفسي من الخروج ورؤية الناس. لكن مع ما يجري، أشعر أن أفضل ما لدينا كمجتمعات هو روح الرعاية وفكرة المجتمع، وليس العيش كأفراد منفصلين. ولم يعلمنا هذا العام سوى أن التكافل والمساعدة هو ما تبقى من هذه البوصلة الأخلاقية، سواء في أيام الزلزال التركي عندما كنا نسارع للمساعدة والتكاتف، أو في أيام الحرب عندما وجدنا الطمأنينة في الدعم والمشاركة، أو في أيامنا هذه التي يتعين علينا فيها تخفيف الألم. من بعضنا البعض إذا فقدنا اصدقائنا.

المقاطعة مفيدة 

في السنوات الأخيرة، سادت حالة من الإحباط لدى الكثيرين منا، بسبب عدم فاعلية أساليب المقاومة التقليدية في مواجهة القوى الكبيرة. لكن المقاطعة الاقتصادية أتت لتذكيرنا بأن الاقتصاد هو القوة الحقيقية التي تحكم العالم. وقد أثبتت المقاطعة فعاليتها في الآونة الأخيرة، حيث أدت إلى خسائر مالية كبيرة للشركات التي تم مقاطعتها خلال الحرب الأخيرة على غزة. وهذا يشير إلى أن هناك العديد من الشركات التي يمكننا دفعها إلى تغيير سياساتها، سواء تلك المتعلقة بدعم الأنظمة القمعية أو سياساتها البيئية أو سياسات العمل. ولعل هذا الدرس يمكن أن يكون حافزًا لنا لتغيير أساليبنا في المقاومة، والتركيز على المقاطعة الاقتصادية كوسيلة فعالة للتغيير.

إعلان

أن أبقي شنطة بها كل أغراضي المهمة 

لم أعتقد أبدًا أنني سأضطر إلى الاحتفاظ بأوراقي المهمة وأشيائي المهمة في حقيبة واحدة. هذا العام، ومع الكوارث التي شهدها العالم، كان علي أن أقرأ كيف نعيش في ظل الخوف من أن نهرب ونخرج من المنزل فجأة. وهنا جاء أمر لم أفكر فيه من قبل، وهو أن أحتفظ بأوراقي في الحقيبة التي أحملها في أي حالة إخلاء. وهذا شيء يمكننا الاستفادة منه حتى لو لم نكن نعيش في بيئة خطرة. ربما يكون هذا جزءًا من النضج أو رد فعل على الصدمة الجماعية التي نمر بها.

لا يوجد رأي مثالي 

منذ بداية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني في ٧ أكتوبر، كان من الصعب تكوين رأي واضح، وبسبب الفوضى التي كنا نعيشها في تلك الفترة، كان الكثير منا يخشى قول شيء غير مقبول هنا أو هناك. ومع انتشار السؤال الشعبي "هل تدين حماس؟"، اكتشفنا أنه لا يوجد رأي مثالي، وأننا هنا في هذا الجزء من العالم نستطيع تطوير أفكار وآراء غير مقبولة في العالم الغربي. ومع ذلك فهي أفكار وآراء صحيحة تنبع من تجربتنا الخاصة وليس من التجربة التي تعلمناها. لسنوات طويلة، تعلمنا أن الرأي الصحيح لا وجود له في بلداننا العربية، ولكن مع الحرب الأخيرة وكيفية تعامل الغرب مع الفلسطينيين والفنانين العرب، وأي رأي يقف في وجه ما تفعله إسرائيل، لقد تعلمنا أنه لا يوجد رأي مثالي وأن الآراء التي نبنيها هنا صحيحة، حتى لو واجهت أسئلة مثل: هل تدين حماس؟

لا يوجد شيء ثابت 

الأيام الجميلة ستزول والأيام السيئة ستزول، فلا يوجد شيء ثابت. قبل الحرب على غزة وتحديدًا في ٢٠ سبتمبر، التقيت ببيسان عودة في بيروت في مؤتمر. كانت بيسان حينها فتاة بطموح وأحلام تريد أن تجد وسيلة لتستفيد من موهبتها وصفحتها التي تسرد حكايات غزة. في ذلك الوقت، كانت بيسان فتاة طموحة وذات أحلام، وكانت ترغب في إيجاد طريقة لاستغلال موهبتها وصفحتها على وسائل التواصل الاجتماعي لتروي قصص غزة.

تواجه بيسان الآن حربًا كبرى، وقد تحولت من حكواتية تسرد قصص غزة  إلى صحافية تغطي مجزرة ترتكب بحق أهلها. لا يوجد شيء ثابت، العالم يتغير دائمًا. سنعيش أيامًا جميلة وسنعيش أيامًا سيئة. وفي النهاية سيختفي كلّ شيء. لذلك يجب علينا أن نتعلم كيف نهتم بأنفسنا وأن نعتني بها، وألّا نلتزم بفكرة واحدة وأن نكون مرنين. لا شيء ثابت، ولا شيء عادل.

الذكاء الاصطناعي لن يستبدلني 

في نهاية هذا المقال، أسأل نفسي: هل كان الذكاء الاصطناعي ليكتب مثله؟ لا أظن ذلك. لقد كان هذا العام عامًا من الخوف من الذكاء الاصطناعي، لكنني لا أعتقد أنه سيستبدلني. أرى الذكاء الاصطناعي اليوم كأداة تساعدني على توفير الوقت، لكنني متأكدة أنه لن يتمكن من استبدال قصصنا ومشاعرنا، أو الكتابة عنها أو سردها. لن يتمكن من التركيز على التفاصيل، أو تكوين رأي مثالي، أو رؤية الأمور من منظورنا أو تجاربنا. هذا درس مهم، لأن الذكاء الاصطناعي سيتطور أكثر في العام المقبل، وسنظل خائفين منه، وسننسى أنه لن يستبدلنا.