موسيقى

البحث عن موسيقى الجيل مع ديسكو ارابسكو

ديسكو ارابسكو، هو الإسم الفني لمعتز رجب، دي جي مصري مقيم في أمستردام
D1

صورة من احد حفلات ديسكو ارابسكو.

الموسيقى آلة زمنية. تسافر بنا إلى أوقات لم نعشها في السابق. قد يبدو أن موسيقى الديسكو في العالم العربي (التي اشتهرت في فترة السبعينات والثمانينات) قد انتهت إلى غير رجعة، ولكن ليس بالنسبة لـ ديسكو ارابسكو الذي قرر إعادة موسيقى الديسكو التي كانت تعتبر من ضمن الأفكار المعاكسة للتيار إلى العصر الحالي ومزجها مع موسيقاه الحديثة.

ديسكو ارابسكو، هو الإسم الفني لمعتز رجب، ٣٣ عامًا، دي جي مصري مقيم في أمستردام. منذ أكثر من عامين ونصف انطلق معتز في رحلة للعثور على موسيقى الديسكو العربية وما التصق بها من تغيرات اجتماعية وفنية صاحبت الفترة الممتدة من السبعينات وحتى مطلع الألفينات. يعود ارتباط معتز بهذه النوع من الموسيقى إلى نشأته التي قضى معظمها محاطًا بمجتمعات عربية مصغرة في المهجر وتخللتها بضع سنوات من العيش في مصر. 

إعلان

اغنية "دو يو لوف مي" الشهيرة التي ادتها فرقة عائلة بندلي اللبنانية عام ١٩٧٨ هي أحد أول الاغاني التي ألهمت معتز للبحث عن مصدر هذه الاغنية والحصول على نسخة ذات جودة صوتية عالية. تبلورت فكرة ديسكو ارابسكو مع حلم عيش تجربة الحياة الليلية في القاهرة في حقبة الثمانينات، وأصبح مشروع موسيقي مستقل مقره أمستردام حيث أحيا أول حفلاته بثيمة الفنك والديسكو والجاز العربي. ومن هناك نال ارابسكو رواجًا مكنه من تقديم عدة حفلات في مدن أوروبية وعربية.

باستخدام مجموعته الموسيقية المتوسعة من ألمع اغاني الديسكو يسعى معتز لصنع تجربة ديسكو ارابسكو التي تنقل الحضور إلى حالة تجمع بين الرقص والنوستالجيا. وبحكم انطلاقته من أمستردام - حيث استضاف أول حفلاته، يقول معتز أن الجمهور يتنوع من مختلف الأعمار والثقافات، إلا أن الجميع يتفق على اعجابه بالديسكو العربي.

يبحث معتز بين الاسطوانات والكاسيتات عن موسيقى الجيل بين الجاز والديسكو وتقاطعاتها مع الموسيقى الشرقية على امتداد المنطقة. خلال رحلته في استكشاف الأرشيف الموسيقي على رفوف أكشاك بيع الاسطوانات أو ما يوازيها الكترونيًا لحقبة الثمانينات وما بعدها يتمعن في القصص التي تقف خلف هذه النتاج الفني الذي يوصف بموسيقى الجيل الذهبي.

كان المشهد الموسيقي في تلك الحقبة مليئا بالطفرات والمتغيرات ليس في المنطقة فحسب بل حول العالم. فلم تقتصر الموسيقى على الممارسة الترفيهية والفنية فحسب بل أصبحت حركة فنية في صدام متواصل مع الذوق العام والثقافة السائدة. في كتاب شريط كوكتيل يدون مصطفى حمدي عن حميد الشاعري قائلًا: " كنا نرى في حميد زعيمًا لحركة تعيد صياغة تفاصيل حياة الشاب المصري بداية من الموسيقى التي يسمعها وصولًا إلى الظهور بـ "التريننج سوت" الذي أصبح زيًا رسميًا لشباب المرحلة."

إعلان

لم تكن الطفرة التي صنعها الشاعري رمزية فقط بل مثلت تجديداً جوهرياً للمشهد الموسيقي في تلك الحقبة. وبالرغم من عدم نجاح أول ألبوماته عيونها (١٩٨٣) الا انه حقق نجاحًا ساحقًا بعدها بسبب لمساته المميزة في التلحين وسعيه المستمر في البحث عن مواهب جديدة للتعاون معها. بعد تقصي موسيقى الديسكو العربي بشكل مكثف على مدى سنوات يشارك معتز ما لاحظه رائجًا في جوهر هذا النتاج الفني المتميز وهو "السعي وراء البحث عن هوية" ويقول: "بعد رحيل عمالقة الطرب العربي كعبد الحليم حافظ وأم كلثوم وغيرهم من الذين شكلوا جزءًا كبيرًا من الصورة الوطنية والثقافية في مصر، كان من الصعب أن يتم التفوق على ما تم إنتاجه في اللون الطربي ولذلك كان لابد من أن يظهر أسلوب موسيقي جديد. وكان هذا واضحاً في الكثير من موسيقى الأفلام والمسلسلات في ذلك الوقت."

سافر صوت الديسكو من الغرب إلى الشرق عبر الاسطوانات والكاسيت، وساهمت الهجرة والابتعاث في تخريج العديد من الفنانين الذين برعوا في تبني هذا الصوت الجديد وتشكيله بما يتناسب مع السياق الثقافي العربي. "واحد من الشخصيات الفنية المهمة بالنسبة لي في تلك الحقبة هو الفنان سمير الإسكندراني وهو مغني وفنان تشكيلي له تاريخ سياسي في العمل مع المخابرات وقصة ذات حبكة سينمائية عن كونه عميل مزدوج لصالح جمال عبد الناصر وذلك أثناء ابتعاثه لدراسة الفنون في إيطاليا،" يقول معتز.

غنى الاسكندراني بلغات مختلفة منها العربية والإنجليزية والفرنسية والايطالية وقدم أسلوب فريدًا عن طريق مزج التراث العربي والموشحات الأندلسية مع إيقاعات ديسكو راقصة، فقد غنى مثلاً موشح "ياغصن نقا" لأبي بكر ابن زهر الأندلسي مع الحفاظ على اللحن الشرقي ومخارج عربية سليمة ولكن مع توزيع ديسكو.

إعلان
D3.jpeg

غلاف كاسيت لمجموعة من اغاني سمير الاسكندراني.

بحسب رؤية معتز فإن الموسيقى الإلكترونية تشكلت بصورة مختلفة حول المنطقة العربية، فقد امتزجت مع الراي في المغرب العربي وأخذت أسلوب قريب إلى الجاز في لبنان مع أسرة الرحباني. تجديد موسيقى الشرق لم يقتصر على تبني قوالب موسيقية حديثة، بل صاحب ذلك استيراد الموسيقيين ايقاعات الديسكو الكثير من الجهد لتشريق الآلات الالكترونية حتى تتناسب النوتات الموسيقية مع المقامات العربية. في مطلع الثمانينات وقعت آلة الاورج بيد الموسيقار الشهير عمار الشريعي وقام بإضافة ربع نوت إلى الآلة حتى يتمكن من العزف أنغام شرقية عليها.

يتردد معتز على محلات بيع الكاسيت في القاهرة للبحث عن نوادر الديسكو والفنك والجاز العربي، ويخبرني أن نشوء الفرق الموسيقية كان كبيرًا في تلك الحقبة نعرف منها المصريين وعزت أبو عوف والفور ام وذا جتز وغيرها من الفرق.

المجموعة الموسيقية التي يستخدمها معتز في حفلاته تحتوي على العشرات (وربما المئات) من شرائط الكاسيت الذي يعتبر أنه "أعاد تشكيل المشهد الموسيقي تمامًا في السبعينات، حيث أصبح تسجيل الاغاني ونشرها عبر الكاسيت لجمهور واسع عملية ممكنة." في صيف ١٩٨٤ وجدت الباحثة سلوى الشوان ما يقارب ٤٠٠ شركة إنتاج كاسيت في مصر بينها شركات حكومية وخاصة. تضاعفت أرقام شركات إنتاج الكاسيت بسبب زيادة الإقبال من الجمهور والموسيقيين. واستحُدث الكاسيت كوسيلة بديلة للبث الحي والمباشر للعروض الموسيقية كتجربة قابلة للتكرار وسهلة الوصول، فلم يقتصر على طبقة اجتماعية أو اقتصادية معينة وكان بمتناول الجميع.

إعلان

يتذكر قصة أحد الأشرطة التي يمتلكها بغلاف تحت عنوان فرقة الـ٢٠٠٠ ولكن الكاسيت الذي بداخل العلبة كان يعود لفرقة تدعى "فرقة الحب والسلام" مطبوع عليه علم الولايات المتحدة الأمريكية. حيث تم إنتاج هذا الكاسيت من قبل شركة تدعى ساوند اوف امريكا- وهي شركة متخصصة بترويج الموسيقى الأمريكية - حصلت على ترخيص في مصر تحت شرط أن تنتج الشركة موسيقى لفنانين مصريين وعرب كذلك- وهكذا تم إنتاج أول ألبوماتهم "اسكندرية اذكريني"  عام ١٩٧٨.  

D2 copy.jpg

D2 كاسيت فرقة الحب والسلام بعنوان اسكندرية اذكريني.

D4.jpg

غلاف كاسيت فرقة الحب والسلام بعنوان اسكندرية اذكريني.

قلة المعلومات الموجودة عن الفرقة دفعت معتز للبحث عن أعضاء الفرقة والتواصل معهم، وعبر ساوند كلاود توصل إلى ياسمين البقلي، ابنة المغني الرئيسي وعازف الأورج في الفرقة نبيل البقلي والتي أخبرته أن والدها انفصل عن الفرقة بعد صدور أول كاسيت بسبب عدة خلافات منها ما دار حول الأماكن المناسبة للعروض المباشرة والحفلات آنذاك، حيث أصر البقلي على ألا تعزف الفرقة في أماكن السهرات والنوادي الليلية بل على مسارح ثقافية. وهذا دليل آخر على أن مدى احترام الفنانين لموسيقى الديسكو التي كانوا يقدمونها.

على كل حال لا يبدو أن الفرقة كانت تعي رمزية استخدام العلم الأمريكي وصورة تمثال الحرية أبعد من الترويج للحلم الأمريكي ومبادئ العدالة التي سعت شركات الإنتاج الأجنبية لتلميعها، ولكن محتوى الكاسيت لا يزال وقعه اسكندرانيًا ومميزًا على السمع.

يمكنكم الاستماع إلى هذه القائمة المميزة مقدمة من ديسكو ارابسكو لآذان قراء VICE عربية فقط.