موسيقى

كيف تصنع موسيقى من قلب الانفجار

رغم فقداني عيني اليمنى في انفجار مرفأ بيروت، شعرت أنني محظوظ لأنني على قيد الحياة، وقررت استخدام هذا الوجع لاصدار أول ألبوم موسيقي
ليال علي
ترجمة ليال علي
yannis-papanastasopoulos-u_THD3oYy9w-unsplash

لقد رأينا جميعاً مشاهد انفجار مرفأ بيروت العام الماضي، لكننا لم نفكر أبدًا في مشاعرنا عندما نكون جزءاً من هذا الإنفجار. لقد تخيلنا حجم الدمار والألم والخسارات بناءً على الصور التي وصلتنا والقصص التي سمعناها، ولكن ماذا كنا سنفعل إذا كنا في مكانهم؟

لقد عشت كل هذا في الواقع.

في الرابع من أغسطس 2020، أثناء الاستعداد لمغادرة عملي في مار مخايل، أحد أكثر شوارع بيروت ازدحاماً، وقع واحد من أكبر الانفجارات غير النووية في التاريخ. بلحظة واحدة تغير كل شيء، شكل الحياة والشوارع والناس والبنايات وحتى الأصوات والهواء.. كنا نمشي بين الأشباح. أصبت أنا وزملائي، ولم نكن نعلم حجم أصابتنا وإذا كنا سنعيش أم لا، كان الرعب يتحكم بقرارتنا. مشيت أنا وزميلتي نيكول حتى وصلنا إلى أقرب مستشفى بمساعدة الأصدقاء والغرباء، في تلك اللحظة أدركت أنني لا أستطيع الرؤية إلا بعيني اليسرى. كانت المستشفى مدمرة والكثير من الدماء حولي ولم أستطع أن أميز الأحياء من الأموات. رغم فقدان عيني والدماء التي كانت تخرج منها، شعرت أنني محظوظ لأنني على قيد الحياة.

إعلان

تم تقطيب جروحي، ثم أجريت عملية جراحية لعيني عند الساعة 4 صباحاً، وعملية أخرى بعد شهر حيث اضطروا إلى إزالة عيني اليمنى تمامًا بعد أن تلاشى كل أمل في امكانية الرؤية فيها من جديد. كنت بحاجة لبعض الوقت من أجل التعافي من الإصابات وإنهاء كل العمليات الجراحية، وكوني فنان هيب هوب وكاتب أغاني، بدأت في الكتابة وتحويل كل أفكاري ومشاعري إلى كلمات لأعبر عن نفسي.

بدأت بالكتابة والتلحين منذ أن كان عمري 14 عاماً، ولكنها كانت دائماً مجرد هواية. عندما بدأت بالشعور بالراحة في كتابة الألحان وتأليف الموسيقى، قررت تحويل ما كتبته إلى أغانٍ فعلية. أعددت كل الإيقاعات الموسيقية، والأدوات اللازمة وأنتجت مشروعي الموسيقي وألبومي الأول بعنوان "أفكار آخر الليل."

إنتاج هذه الأغاني الخمس جعلني أفكر في كل ما مررت به، وزاد من رغبتي في أخذ موسيقاي على محمل الجد. وهذا لم يكن شعوراً جديداً، في كل مرة كنت أشعر بالكثير من الإحباط واليأس، كانت الموسيقى الشيء الوحيد الذي شعرت أنني بحاجة إلى القيام به لأشعر بتحسن. لقد إخترت "أفكار آخر الليل" عنواناً لمشروعي الجديد لأن المشروع بأكمله كان يعتمد على ما كان يدور في ذهني بعد الانفجار. وباعتباري مصمم جرافيكي، فقد صنعت وصممت الغلاف أيضاً، وأطلقته بعد 5 أشهر من الانفجار، في الرابع من شهر يناير.

نعم، لقد قررت إجراء تحول جذري بحياتي، ولم أدع الانفجار يقتلني من الداخل، فقد جعلني كل ذلك أدرك أن الحياة قصيرة وأن الغد ليس مضموناً. حولت كل تركيزي إلى الموسيقى، وقررت المواصلة بإصدار موسيقى جديدة، لكن مشروعي "أفكار آخر الليل" سيكون دائمًا أكثر ما أفتخر به، فقد وضعت كل مشاعري وروحي في هذه الأغاني، وقمت بترجمة كل مشاعر غضبي تجاه ما مر به بلدي وما مررت به شخصياً إلى أغاني، كتعبير عن خروجي من قلب الانفجار.

في كل مرة أستمع فيها إلى الأغاني، وخاصة أغنية "قصة" -التي تحكي قصة كل ما يعيشه اللبنانيين من موت وهجرة وفساد وظلم -أشعر وكأنني أعيش التجربة من جديد. وأتألم مجدداً عندما أفكر في كل هؤلاء الأبرياء الذين فقدوا حياتهم والذين فقدوا أهلهم وأطفالهم ومنازلهم، بينما لا يزال المسؤولون عن هذا الانفجار يعيشون حياتهم وكأن شيئاً لم يكن. أكثر ذكرياتي المفجعة التي لا يمكنني أن أنساها هي عندما اقتربت مني امرأة في المستشفى معتقدة أنني ابنها، كنت ملطخاً بالدماء، لذا لم تستطع معرفة ما إذا كنت هو أم لا، وبعد أيام قليلة أدركت أن ابنها توفي. لا يزال هذا يحطم قلبي حتى اليوم.

لا أريد ما حصل معي أن يبقى في الماضي. على العكس، يجب ألا ننسى أبداً ما حدث في ذلك اليوم. ولكن ما يمكنني التأكد منه هو أنه من الآن فصاعداً سيكون تفكيري إيجابياً فقط، وأتمنى أن تمر علي أيام أفضل، وأن اصدر المزيد من الموسيقى. كان الرابع من أغسطس بداية لحياة جديدة، مختلفة تماماً، وكان مشروع "أفكار آخر الليل" بداية رحلة جديدة. أنا سعيد جداً لتمكني من تحويل هذا الألم إلى قوة بموسيقاي، وآمل أن يتمكن كل شخص آخر يشعر بالخسارة من فعل الشيء نفسه. لقد أصبحت أقوى، وأكثر إستعداداً للمفاجأت والصدمات أكثر من أي وقت مضى.

يمكنكم الاستماع لأغاني ألبوم "أفكار آخر الليل" هنا.