بينما كان المسعفون ورجال الدفاع المدني في مناطق شمال شرق سوريا منهمكين في إنقاذ المزيد من الأرواح من تحت المباني التي دمّرها الزلزال الذي ضرب المنطقة الشهر الماضي، كان محمد علاء الجليل يهمّ بإنقاذ المزيد من القطط التي تأذّت بفعل الزلزال وتقديم الإسعافات لها. علاقة محمد مع القطط ليست حديثة، فقد سخّر حياته منذ اندلاع الأحداث الدامية في سوريا لإنقاذ القطط وإيوائهم حتى بات يُعرف هناك بـ "رجل القطط".
نجح محمد حتى الآن في إنقاذ أكثر من ثلاث وثلاثين قطّة من مدينة جنديرس الواقعة في محافظة حلب، وهي المنطقة الأكثر تضرُّرًا في سوريا بفعل الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا وخلَّف أكثر من خمسين ألف قتيلٍ حتى اللحظة. بعض القطط ما تزال بحاجة للعلاج وبعضها تماثل للشفاء بصورة كاملة، فيما لا يزال محمد يتلقى مزيدًا من النداءات من أجل إنقاذ المزيد من الحيوانات التي تحتاج إلى المساعدة.
إعلان
وُلد حب القطط لدى محمد منذ طفولته المبكرة، كما يروي لـ VICE عربية: "كنت ألهو مع القطط منذ صغري، ولكن الأحداث التي نعايشها في سوريا منذ عشر سنوات أجبرتني على توظيف حبي للقطط بشكل إنساني." في البداية، كان محمد يعتني بالقطط المنزلية التي أُجبر أصحابها على تركها بعد أن هاجروا مدنهم وقراهم في سوريا بسبب الأحداث العنيفة، ولكن مع استمرار الأحداث حتى اليوم، حاول محمد مرارًا أن يصبح عمله أكثر تنظيمًا وفاعلية.
أسَّس محمد في بداية الأحداث في سوريا محمية لحماية القطط في شرق محافظة حلب، ولكنها تعرضت للدمار بفعل الصواريخ السورية والروسية قبل أن تسقط كليًا تحت قبضة النظام السوري. تسبّب ذلك في فقدان محمد لأكثر من ١٨٠ قطة كانت في المحمية. لكنه عاد عام ٢٠١٩ وسكن في الجزء الغربي للمدينة، مؤسِّسًا محمية جديدة أفضل وأوسع من تلك التي دُمِّرَت.
ينشر محمد على صفحة الفيسبوك الخاصة بالمحمية نشاطاته اليومية فيها، كما ينشر روابط لعشرات المقابلات الصحفية التي أُجرِيت معه بخصوص عمله الإنساني مع الحيوانات.
ينشر محمد على صفحة الفيسبوك الخاصة بالمحمية نشاطاته اليومية فيها، كما ينشر روابط لعشرات المقابلات الصحفية التي أُجرِيت معه بخصوص عمله الإنساني مع الحيوانات.
يُحقق العمل الذي يقوم به محمد إعجاب المئات حول العالم ممّن يتابعون أعماله على منصات التواصل الاجتماعي، ففي عام ٢٠٢١ نالت قصة للأطفال بعنوان "رجل القطط في حلب" جائزة "كالديكوت" الشرفية، وهي جائزة أمريكية انطلقت عام ١٩٣٨ لأفضل الكتب المُصوّرة. الكتاب ألّفه السوري كريم شمشي باشا وإيرين لاثام، ويتناول قصة محمد مع إنقاذ القطط في حلب."كنت أقوم بكل شيء بمفردي، لكن اليوم أصبحنا فريقًا مكونًا من ستة أشخاص، ثلاثة يقومون على رعاية الحيوانات في الملجأ، بينما أقوم أنا واثنان آخران من المسعفين بالتوجه لأي مكان يتم إخبارنا أنه يحتوي على حيوانات بحاجة للإنقاذ." - محمد علاء الجليل
إعلان
كانت القطط تتجمع بشكل عشوائي في الحيّ الذي يقطنه محمد كي يحضر لها الطعام كل صباح، لكن مع انتشار قصته في الصحف الدولية، بدأ مُحبّو الحيوانات والقائمون على بعض الملاجئ في أوروبا بدعمه ماديًا من أجل إنشاء ملجأ للقطط، وهو ما قام به فعلًا: "كنت أقوم بكل شيء بمفردي، لكن اليوم أصبحنا فريقًا مكونًا من ستة أشخاص، ثلاثة يقومون على رعاية الحيوانات في الملجأ، بينما أقوم أنا واثنان آخران من المسعفين بالتوجّه لأي مكان يتم إخبارنا أنه يحتوي على حيوانات بحاجة للإنقاذ."
يساهم الدعم المادي البسيط الذي يتلقاه محمد من مُحبّي الحيوانات في العالم في تمويل الملجأ الذي يديره وزملاؤه، حيث يقومون بشراء الأطعمة واللقاحات والأدوية اللازمة لها.
يساهم الدعم المادي البسيط الذي يتلقاه محمد من مُحبّي الحيوانات في العالم في تمويل الملجأ الذي يديره وزملاؤه، حيث يقومون بشراء الأطعمة واللقاحات والأدوية اللازمة لها.
يرى محمد أن إنقاذ هذه الحيوانات واجب على كل إنسان، لأنها جزء أساسي من الطبيعة: "الحيوان يحتاجنا بشكل مستمر، حتى أن الديانات السماوية جميعها تحثّنا على الرفق بالحيوان." كما أنه يعمل باستمرار على توعية من حوله بحقوق الحيوان وضرورة العناية بها. يشدّد محمد أن العناية بالحيوانات تجعله يشعر بالسعادة والرضا دائمًا: "أحبّ ما أفعله كثيرًا، وأتمنى أن أرى غيري يفعله أيضًا."
يتلقى محمد الكثير من ردود الفعل المتباينة حول عمله، فمن الناس من يشجّعه على عمله الإنساني، ومنهم من ينتقده وينصحه أن يلتفت لإنقاذ البشر بدلًا من الحيوانات. لكن كل هذه الانتقادات لا تقلّل من عزيمته:
"لا تثنيني ردود الفعل السلبية عن عملي، فبينما تقوم آلاف المنظمات الإنسانية حول العالم بمساعدة البشر، فإن عدد المنظمات التي تعنى بحقوق الحيوان أقل من ذلك بكثير، أنا فخور بما أفعل وأتمنى أن تنتشر رحمة الحيوانات بين جميع البشر."
"لا تثنيني ردود الفعل السلبية عن عملي، فبينما تقوم آلاف المنظمات الإنسانية حول العالم بمساعدة البشر، فإن عدد المنظمات التي تعنى بحقوق الحيوان أقل من ذلك بكثير، أنا فخور بما أفعل وأتمنى أن تنتشر رحمة الحيوانات بين جميع البشر."