NTRS19_NT_DJ Nooriyah-0438

نورية. تصوير: ستيفاني كلير.

موسيقى

مقابلة مع دي جي نورية وحديث عن تأثير الكلاسيكيات العربية على الأغاني الأجنبية الشعبية

من المهم جدًا بالنسبة لي أن أعرض هذا الجمال والتنوع المميز في موسيقى الشرق

من أين أبدأ؟ الموسيقى تجعلني أنفصل عن العالم وأدخل عالمًا خاصًا بي، لأحلق بعيدًا في آفاقٍ تملؤها كلمات وألحان وإيقاعات، بعضها تعيد لي ذكريات قديمة، بعضها جميلة وبعضها (زبالة) ظننت أنني دفنتها في عقلي الباطن. ولكن الأهم من كل ذلك، هو أنها تجعلني أقل شعورًا بالوحدة وأكثر دفئًا، فبطريقةٍ ما، الأغاني أشبه بسيرتي الذاتية لكل ما مررت به، وما أمر به ، وما سأمر به. ولذلك من المهم أن نقدم تقديرنا ودعمنا للمواهب المحلية والاحتفاء بها، وليس فقط عندما نحصل على موافقة الخواجة (يا عقدة).

إعلان

ظهر مؤخرًا مقطع فيديو للدي جي نورية قيس - المعروفة بتشييدها لتراثها من خلال دمجها لأغاني أجنبية شعبية بأغاني من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا - وانتشر بسرعة على وسائل التواصل الاجتماعي، عرضت فيه تأثير الموسيقى العربية على الموسيقى الأمريكية السائدة في شكل ظاهرة اقتباس الألحان.

وقد قامت بإطلاقه ترويجًا لبرنامجها الإذاعي الأول في Plus 1 والذي خصصته لأصوات المنطقة، تقابل فيه مواهب محلية ومغتربة، وتناقش هذه الاقتباسات بالتفصيل - وهو أمر أردت الحديث معها عنه: نظرية الموسيقى. 

أخذني فيديو نورية في رحلة في الذاكرة بدأت بالمنتج تيمبالاند، والذي اشتهر لاقتباسه ألحان من مقطوعات أغاني عربية وجنوب آسيوية، خاصةً في أشهر أعماله أغنية "Big Pimpin" مع مغني الراب جاي زي، والتي أدت به إلى سنوات حارب فيها قضايا حقوق الملكية الفكرية واتهامات سرقة أدبية، لاقتباسه لحن من أغنية "خسارة خسارة" التي أنتجها بليغ حمدي وسجلها عبد الحليم حافظ في عام 1957 بدون الحصول على إذن من أصحاب حقوق الطبع والنشر، لكنه وبعد 11 عامًا في 2018 حصل على حكم البراءة.

تخبرني نورية في مقابلة معها: "شغفي يأتي من نشأتي وسط بيئة موسيقية لم تمل من سماع أغاني كلاسيكيات العندليب وأميرة العرب وأصالة في أرجاء منزلي، وحتى أول ذكرى لي كانت لوالدتي وهي تردد كلمات الأغاني بنشاز وهي تطهو لنا أصنافها الشهية." تخبرني نورية أنها أصلاً من المنطقة الشرقية في السعودية: "والدي هو الجيل الأول الذي خرج من الفقر في عائلتي وحصل على منحة جامعية، تنقلنا خلال دراسته وعمله بين السعودية واليابان، واستقريت أخيرًا في لندن حيث أقيم الآن."

إعلان

الأغنية الثانية في قائمة نورية كانت أغنية آليا "More Than A Woman" في عام 2001، والذي اقتبس فيها تيمبالند لحن من أغنية "قالولي أنسى" للمغنية السورية ميادة الحناوي من سنة 1993، وأخيرًا، أغنية آليا "I Don’t Know What To Tell Ya"، التي اقتبست لحن من أغنية "بتونس بيك" لوردة الجزائرية من سنة 1992.

على الرغم من شعبية موسيقى المنطقة والاستخدام المستمر لها - كما هو موضح في تاريخ اقتباس الألحان - إلا أنها المعرفة محدودة بها ولا زالت تقتصر بالوصف النمطي: "موسيقى الرقص الشرقي."

توافقني نورية الرأي فيما يتعلق بالتحريف والنقص في التمثيل الإعلامي وتقول: "بدأ حبي للصحافة والموسيقى منذ الصغر عندما كنت أتسلل خارج المنزل لشراء أحدث إصدار من مجلة الأطفال "ماجد" وعلى الرغم من أنها كانت رسومًا كارتونية، إلا أنها تتناول قصصًا تعكسني وتعكس ثقافتي، وقد ألهمني ذلك للتعبير عن نفسي بأي وسيلة أستطيع استخدامها، سواء كان ذلك بصريًا، كتابةً، أو سمعيًا."

أردت أن أقدم الوعي والتقدير لمصادر والنسخ الأصلية من الاقتباسات، فهي مؤلفة بذكاء، مثلها مثل العديد من كلاسيكيات الشرق

وتضيف: "في البداية، لم أشعر أن الراديو مجال يمكن الوصول إليه لشخص يشبهني؛ عربية مغتربة بلهجة لا تشبه مواطني المملكة المتحدة. كبرت باعتقادي أن الراديو من عالم آخر خاص بأشخاص معينين، وهو تجربة استمتع بها في السيارة مع بابا فقط لا أكثر، لكن بعد أن اكتشفت مجتمع راديو بدأت في التدريب له وتعزيز مهاراتي في التمثيل الصوتي، وفي كل مرة كنت في المحطة بعد عملي في الرعاية الصحية وأثناء عطلات نهاية الأسبوع، تشجعت وزادت ثقتي بنفسي أكثر."

"من المهم جدًا بالنسبة لي أن أعرض هذا الجمال والتنوع المميز في موسيقى الشرق، فقد تعرضنا لما فيه من كفاية من انتقادات وتم وضعنا بقوالب نمطية سخيفة وصُورنا بشكل خاطئ في وسائل الإعلام لعقود طويلة، ولذلك أردت أن أسلط الضوء على مساهماتنا الموسيقية وحبنا وشغفنا بالفنون والثقافة لمن ليسوا على دراية كافية بذلك."

إعلان
تصوير ستيفاني كلير.jpg

تصوير: ستيفاني كلير.

أثار الفيديو جدلًا، كما هو الحال مع كل شيء هذه الأيام، وكانت هناك الكثير من ردود الفعل والآراء المتعارضة - فكان هناك من يعتقد أن اقتباس الألحان هو عنصر أساسي من عناصر الموسيقى، ليتصادموا مع أولئك الذين صنفوه بالسرقة الأدبية بناءً على أوجه التشابه التي سمعوها، ثم هناك من هو على علم بتاريخ هذه الاقتباسات وقضايا المحاكم المرتبطة بها، بالإضافة إلى الذين اعتقدوا أن نورية أرادت "فضح" تيمبالاند، طبعاً يبدو أن معظمهم لا يعلمون شيوع تلك الظاهرة في إنتاج الموسيقى معتقدين أن تيمبالاند عزف على الآلات بنفسه.

عندما سألتها عن نواياها من وراء إعادة هذه الظاهرة إلى الواجهة مجددًا، قالت: "أردت أن أقدم الوعي والتقدير لمصادر والنسخ الأصلية من الاقتباسات، فهي مؤلفة بذكاء، مثلها مثل العديد من كلاسيكيات الشرق. كانت نيتي أن أشارك الحنين إلى ماضي طفولتنا مع الآخرين وإظهار التأثير الملحوظ للمنطقة على الموسيقى الغربية السائدة، فهو يتجاوز اقتباس الألحان وحسب حيث أن كبار الفنانين العالميين يستخدمون أجهزة الميكروفون وسلالم الموسيقى العربية وأكثر من ذلك."

"اعتقدت أن الناس سيستمتعون بهذا الاحتفاء، لكنني لم أتوقع أن ينتشر بسرعة، فهذه ليست أول مرة أطلق وأشارك فيها مقطع فيديو يستند إلى الموسيقى بأسلوب مماثل، بدءًا بسلسلتي "Ode" والتي أقدم فيها مجموعة من مقتطفات قصيرة أحيي بها الأفلام المصرية وألعاب الفيديو القديمة التي أحبها مثلًا، فأنا أعشق الأعمال الموضوعية وسرد القصص الهادفة من خلال الموسيقى، ويبدو لي أن الناس يعشقونها أيضاً."

"ما زلت أتلقى رسائل من أشخاص لم يكن لديهم أي فكرة عن الاقتباس الموسيقي خصوصًا من موسيقى الشرق، لكن الرسائل المفضلة لي هي تلك التي تنقل مدى جمال الموسيقى العربية والذين اكتشفوها لأول مرة مما سيجعلهم يتمعنون فيها أكثر، كما يقول البعض كم هم فخورين بتمثيل ثقافتنا ويهنئوني على نجاح تذكير الناس بهذا التأثير."

إعلان

أنا متأكدة، عزيزي القارىء، من أنك ربما تتساءل عن نفس الأشياء التي كنت أتساءل عنها عندما سقطت في جحر الأرنب هذا - ما هي ميكانيكيات الاقتباس الموسيقي؟ ألن يسبب الموضوع أقل صداعًا وأقل دعاوي قضائية إن أنسب الفنان الفضل للعمل المقتبس وطلب الإذن قبل استخدام الألحان؟ لماذا تعد حقوق الطبع والنشر في الصناعة الموسيقية معقدة للغاية؟ لماذا يعتبر اقتباس الأغاني سرقة أدبية من قبل الكثيرين؟ فصناعة الموسيقى، قبل كل شيء، تتميز بإبداع شمولي وعالمي... إلى حدٍ ما على الأقل.

طيب يلا، دعونا نحاول الإجابة على هذه الأسئلة واحدًا تلو الآخر (ونركز هنا على كلمة نحاول، فلماذا نعقد الشيء الوحيد الذي لا يستدعي كل هذا التعقيد، مش كدة؟)

محنة الأصالة ما نعرفه عن فن الاقتباس الموسيقي:

الاقتباس الموسيقي ببساطة هو أداة داعمة لمنتجي الموسيقى، تقدم التكنولوجيا التي سهلت الكثير من الأشياء علينا، كذلك لجأوا الفنانين لها في إنتاج الأغاني. تسير العملية على النحو التالي: تُدمج أجزاء من أغنية لإنتاج مقطوعة موسيقية جديدة، قد يشمل ذلك الألحان أو الأصوات أو المعادلة لتبطىء أو يتم التلاعب بها بطريقة ما. اتضح أنها تقنية شائعة جدًا وليست مفهومًا جديدًا، فهي تلعب دورًا كبيرًا في صناعة الموسيقى، وفي الواقع، لقد أصبحت واحدة من الآفاق الإبداعية الوحيدة في عالم الموسيقى.

لنرجع بالزمن قليلًا إلى أقدم الوثائق الموسيقية والتي بدأت في وقت مبكر من القرن العشرين، حيث كان يعزف موسيقو الجاز أجزاءً وألحان من مؤلفات أقرانهم خلال عروضهم الحية كبادرة احترام متبادل. ثم في الأربعينيات من القرن الماضي، حيث تم اختراع جهاز التسجيل الذي أعطى أي شخص تقريبًا القدرة على معالجة الأصوات المسجلة واستخدامها لاحقًا، وقام منسقو الأغاني من البرونكس في نيويورك في الولايات المتحدة بنقلها إلى مستوى آخر تمامًا، حيث قاموا بإنشاء اقتباسات حية بالتلاعب بالفينيل، ثم اخترعت أجهزة اقتباسات موسيقية إلكترونية في السبعينيات والثمانينيات. الظاهرة أصبحت متوفرة أكثر باختراع إصدارات محمولة لتلك الأجهزة، فحدث طفرة في جميع أنحاء العالم في الموسيقى التجريبية القائمة على اقتباس الألحان. وهنا تشير نورية: "في رأيي، لا يوجد فن أو إبداع أو ابتكار من فراغ، فكل شيء له تأثير من مكان ما سواء مقتبس أو غيره من أساليب الإلهام."

إعلان

كل ما يمكنني فعله هو الاستمرار في إظهار الموسيقى الغربية وكم هي مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالتاريخ الغني للموسيقى العربية

يعتبر الاقتباس الموسيقي الآن أساس موسيقى الهيب هوب، فقد تم بناؤها عليه وكذلك الأمر صحيح للعديد من أنواع الموسيقى الأخرى هذه الأيام انطلاقًا من موسيقى البوب ​​إلى موسيقى الرقص الإلكترونية. إذا فكرتم فيها، المشكلة التي تكمن في الاقتباس حقًا هي أنها لا تترك مجالًا للتطوير.

ومع ذلك، إذا وضعنا هذه الآليات جانبًا، وما إذا كنا نؤمن بالأصالة الإبداعية أم لا، يجب على الفنان الذي يقتبس أن ينسب اللحن لمؤلفه مهما تطلب الأمر - هذه نقطة غير قابلة للتفاوض وهي أقل واجب، فنظرًا لأن هذه الظاهرة أصبحت أكثر شيوعًا مع قيام العديد من الموسيقيين المعروفين بمزج ونسج العديد من الألحان في أغانيهم اليوم، يجب أن تُعرف المبادئ الأساسية للاقتباس، ويجب الحصول على تصريح من مالك الألبوم الأصلي لمنع أي مشكلة قانونية لانتهاك حقوق النشر.

ومع ذلك، هناك ثغرة واحدة في هذه المعادلة وهي مشكلة ثقافية حساسة شوية (متفاجئين؟)، خاصةً عندما يتعلق الأمر بالاستثناء الأمريكي والعقلية أو النظرة الاستعمارية التي دائمًا ما تتفشى في كل مداولة يمكن أن تتخيلها؛ فغالبًا ما يُنظر إلى الغربيين على أنهم رواد… كل شيء تقريبًا... في حين أن الكثير من "ثقافتهم" متجذرة في أصول شرقية.

وفي سياق عمل نورية والعدد من الأمريكيين الذين تفاعلوا مع الفيديو مدعيين بأن الفنانين العرب المقتبسين في الأغاني لم يكن ليروا ضوء الشهرة لو لم يتم اقتباس أعمالهم من قبل الغرب -رغم أن لكل فنان جمهوره الخاص ويمكن القول أنهم يتمتعون بنفس القدر من الشهرة والنجاح- تقول نورية: "تلك التعليقات منغلقة الأفق؛ سيفوتهم الكثير باعتقادهم أنهم محور الكون! لكنها حفزتني لمواصلة عملي أكثر. فنانو المنطقة المعنيون هم أسماء أسطورية على كل لسان. كل ما يمكنني فعله هو الاستمرار في إظهار الموسيقى الغربية وكم هي مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالتاريخ الغني للموسيقى العربية، ولا ننسى أيضاً عدد الآلات الموسيقية المستخدمة في الغرب والتي تدرج مباشرةً إلى الآلات الوترية والإيقاعية العربية."

في بعض الأحيان الأخرى غالبًا ما تكون الخطوط الفاصلة بين الاستحواذ الثقافي والتقدير خالية من التبرير، خاصةً عندما تُأخذ كلمات عربية عائلية لحدٍ ما ويتم مزجها جنبًا إلى جنب مع كلمات إنجليزية مستغلة جنسيًا. وأحد الأمثلة على ذلك هي عندما رفعت فيروز دعوى قضائية ضد المغنية الأمريكية مادونا لاقتباسها جزء من ترنيمة سفيرة الفنانين العرب الشهيرة لعيد الفصح من سنة 1962 "اليوم علق على الخشبة" في أغنيتها "Erotica" من سنة 1992؛ والتي بلغت ذروتها في واحدة من أكثر قضايا القرصنة الموسيقية شهرةً في التسعينيات.

الترنيمة تحكي قصة صلب المسيح وتؤدى كل عام يوم الجمعة العظيمة في لبنان؛ مزجت مادونا طبقات من صوت فيروز وهي تغني كلماتها "ضع يديك على جسدي." حُسمت القضية مقابل 2.5 مليون دولار خارج المحكمة، لكن تم حظر ألبوم مادونا في النهاية في لبنان.