suggestion-01
مجتمع

عن جنسانية ذوي الاحتياجات الخاصة، لماذا لا نعتبر الجنس ضمن احتياجاتهم؟

الأطفال ذوي الإعاقة أكثر عرضة للعنف بمختلف أشكاله عن غيرهم بمعدل يصل حتى أربعة أضعاف

تسلب المجتمعات العديد من حقوق ذوي الاحتياجات الخاصة وأصحاب التحديات الجسدية، وعند إعطائهم الفرصة لنيل تلك الحقوق يبقى حقهم في استكشاف أجسادهم وممارسة الجنس بمثابة صندوق أسود لا يتحدثون عنه ولا أحد يتحدث إليهم فيه، ولكن ماذا عن رغباتهم واحتياجاتهم الجنسية؟ ماذا عن جنسانيتهم؟ وكيف تتقاطع تحدياتهم الجسدية أو الذهنية مع ممارستهم للجنس؟

تكونت صورة نمطية لا أساس لها من الصحة في أذهان البعض تحمل في طياتها أن النمو الجنسي لذوي الاحتياجات (خاصةً ذوي الإعاقة الذهنية) يختلف عن الأشخاص العاديين وبالتالي تختلف الرغبات الجنسية بل أن البعض يضعهم في خانة اللاناشطين جنسيًا، هناك بالفعل فروق فردية من شخص لآخر تمامًا كما تختلف القابلية الجنسية بين الأفراد العاديين، ولكن في النمو الطبيعي والقدرة البيولوجية لا يختلف الأشخاص الطبيعيون عن ذوي الاحتياجات الخاصة.

إعلان

تقول ستيفاني غانم، معالجة نفسية وأخصائية علم النفس العيادي والتحليل النفسي لـ Vice عربية: "طبيعيًا لا يوجد أي اختلاف في النمو الجنسي أو الشعور الجنسي بين ذوي التحديات وبين الأشخاص العاديين؛ الشعور الجنسي في حد ذاته هو أمر طبيعي غرائزي، الاختلاف الوحيد في حالة ذوي التحديات هو طريقة ممارستهم للجنس وطريقة إدراكهم له."

وتضيف: "المشكلة لا تعود إليهم بل تعود إلى طريقة تعاطي الأسرة والمجتمع عامةً مع هذه المشاعر، فهم يصنفونها ضمن المحظورات معللين ذلك بأن ذو التحدي غير قادر على التعامل مع مشاعره الجنسية، وبالتالي لا يسمحوا له بعيش جنسانيته بطريقة حرة باعتبارها حق مشروع له."

تأثير وجود أو انعدام التربية الجنسية لذوي الاحتياجات الخاصة
تشير منظمة الصحة العالمية في إحصائية إلى أن 15% من سكان العالم، أي ما يقارب مليار شخص، يعانون من أحد أشكال الإعاقات، ثمانين في المئة منهم يعيشون في البلدان النامية. والأطفال ذوي الإعاقة أكثر عرضة للعنف بمختلف أشكاله عن غيرهم بمعدل يصل حتى أربعة أضعاف، أما البالغين ممن يعانون من الإعاقة بصورة أو بأخرى أكثر عرضة للعنف بمرة ونصف من غير المعاقين وللأمر أسباب عدة منها وصمة العار والتمييز والجهل والافتقار إلى الدعم اللازم لهؤلاء الأشخاص ومن يقومون على رعايتهم.

غالبًا ما يعاني الأطفال ذوي الإعاقة من نوع واحد من الاعتداء (الجنسيّ، الجسديّ، العاطفيّ والإهمال). وصعوبة اكتشاف الاعتداء مبكرًا تؤدّي إلى الاعتداء المتواصل والخطير عليهم، ولذلك يعتبر التثقيف الجنسي الموجه لذوي التحديات ليس رفاهية بل ضرورة تحميهم من الاعتداء بأشكاله المختلفة، حيث تساعد التربية الجنسية ذوي الإعاقة الذهنية على إدراك إذا ما كان الشخص يحاول استغلالهم أم لا وذلك من خلال تمكينهم من التعرف على السلوكيات الجنسية غير اللائقة في وقت مبكر، وكيفية حماية أنفسهم بشكل أفضل من الاستغلال وكذلك حثهم على الإبلاغ عن أي حادث اعتداء جنسي مشتبه به.

إعلان

الأطفال ذوي التحديات الخاصة الجسدية لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم؛ وكذلك الذين يعانون من تحديات خاصّة عقلية، نجد أن قدرتهم على تمييز استغلالهم محدودة وتتفاقم في ظل غياب المعرفة عن الجنس والجنسانية، كما أن العديد منهم لا يعرفون كيفية الإبلاغ عند الاعتداء عليهم، أو يخافون الإبلاغ لكون المعتدي عادةً ما يكون معروفًا لهم.

"كنت مسؤولة مع الأسرة عن أختي المصابة بمتلازمة داون. لا أذكر أن أبي أو أمي تحدثوا إلينا عن أي شيء خاص بالجنس ابدًا ولكني كنت أطلع على بعض المصادر التثقيفية حول الجنس. ولم انتبه في أي يوم أن أختي أيضًا ينبغي أن تعرف. كنت أظن أنها لاجنسية، ولكن كانت نقطة التحول الصادمة عندما وجدت أختي في المطبخ برفقة أحد أقاربنا يتحرش بها وهي صامتة تمامًا." 

تتحدث أماني السيد، ٢٥ عاماً، عن اختها وهي من ذوي الاحتياجات مع الاستغلال الجنسي، وكيف أن تعتيم الوالدين عن أي معلومة جنسية جعل منها شخص يستجيب للتحرش أو الاغتصاب الجنسي ويصمت أمام المُعتدي، لأنه غير مدرك من الأساس أنه اعتداء. خافت أماني من إخبار ما حدث لأهلها، لتوقعها بعدم تفهمهما الأمر. بحثت أماني عن أي مكان تسترشد به فيما تمر به مع أختها ولكنها لم تتمكن من الوصول لشيء، فتوجهت بها إلى طبيبة نفسية بدأت معها رحلة جعلت أختها تستكشف بها جنسانيتها وميولها ورغباتها الجنسية.

خلال تلك الرحلة علمت الطبيبة من الفتاة أنها تعرضت للاعتداء الجنسي في أماكن أخرى غير البيت، في المدرسة لمسها عامل هناك في مناطق حساسة، قالت ذلك عندما وعيت بأن هذه المناطق لا يجوز لأحد أن يلمسها وعندما أدركت ما يُعنيه مصطلح "اعتداء جنسي" بما يشمل أي إجبار، تهديد، إكراه، مداعبة أو خداع شخص آخر على الاتصال الجنسي غير المرغوب فيه أو على  الاتصال الجنسي مع شخص لا يملك القدرة على إعطاء الموافقة.

إعلان

"التربية الجنسية السليمة بمثابة نظارة يرتديها ذوي التحديات يميزون بها السلوكيات اللائقة عن الغير لائقة، تقول غانم وتضيف: "بدون التربية الجنسية لا يمكنهم التمييز بين النظرة الإيجابية ونظرة الاستغلال، بين اللمسة التي تعبر عن اللذة في إطار علاقة وبين لمسة الاستغلال."

وتكمل: "التربية الجنسانية السليمة لذوي الاحتياجات ليست قاصرة على ممارسة الجنس فقط، ولكنها تتضمن معاملة الأهل لهم باحترام ومراعاة خصوصيتهم. عنصر الخصوصية معدوم تقريبًا في المجتمعات العربية بسبب معاملتهم كمرضى طوال حياتهم وليس كأشخاص لديهم حياة قبل أن تكون لديهم إعاقة.

وتضيف: "المعاملة باحترام تتضمن منحهم كافة المعلومات التي تجعلهم واعيين بحدودهم وبحدود الآخرين معهم وأن تصمم تلك المعلومات بالشكل الذي يُسهل عليهم الاستيعاب، وأن تتطور تلك المعلومات بتطور أعمار ذوي التحديات. في مراحل متقدمة ينبغي أن يتم تثقيفهم بكيفية التمتع في العلاقات، واتخاذ قرارات مسؤولة وتمييز الخطأ من الصواب، وزيادة وعي الفرد تجاه العواقب المحتملة من النشاط الجنسي، مثل خطر الحمل أو الإصابة بالأمراض المنقولة جنسيًا."

رفض الزواج أو النشاط الجنسي
الاتجاه الحديث في التعامل مع الاحتياجات الخاصة في أغلب المجتمعات هو تمكين هؤلاء الأفراد من التكيف والتعامل بفاعلية مع الحياة، لكن هناك قصور واضح في التطبيع مع جنسانيتهم وتقبل نشاطهم الجنسي وبالتأكيد هذا يؤثر على حياتهم. تتعامل العديد من الأسر مع متحدي الإعاقة دون النظر إلى حياته الجنسية.

نشأ حامد -اسم مستعار- في أسرة مصرية من الطبقة المتوسطة، ولأنه كفيف كان يحظى بالحب والاهتمام مقارنة لأخوته، التحق بالمدرسة وورث حِرفة صناعة الشنط من والده ولذلك لم يُكمل دراسته الجامعية، وهو حاليًا يبلغ من العمر ثلاثين عامًا ولديه عائد مادي يؤهله للزواج، ولكن مجرد طرح فكرة الزواج هو أمر ترفض أسرته تمامًا.

إعلان

"سمعت الكثير من التعليقات الرافضة لزواجي،" يشير حامد ويضيف: "والدتي قالت لي "كفاية أني بخدمك كمان هخدم واحدة تانية معاك لأنك لازم هتتجوز واحدة فاقدة البصر" أما أخي فكان رأيه "هتثق فيها ازاي؟ أو هتكون معاها ازاي في السرير من غير ما تشوفها؟ مع الوقت هتمل منك وممكن تخونك." وحتى صديقي قال لي "أنت متأكد من فكرة أنك تكون مع ست؟ لأن الجنس مع ست مختلف عن العادة السرية اللي انت متعود عليها."

كل تلك الكلمات كانت كافية لجعل حامد يشكك في قدرته الجنسية وفي إمكانية الزواج، ويضيف:"أنا شخص بلا خصوصية بالرغم من تعايشي مع كوني كفيف، إلا أن أهلي مازالوا يتعاملون معي كأني فقدت البصر اليوم وأنني في حاجة مستمرة إليهم. أنا متأكد من كوني قادر على الانجذاب العاطفي والجنسي تجاه الآخرين، ولكنني غير متأكد من انجذاب الآخرين لي."

القلق من ممارسة الجنس، هو أمر طبيعي لدى كل الأشخاص ويتضاعف ذلك لدى ذوي الاحتياجات الخاصة، فالنساء لديهن مخاوف حول مدى جاذبيتهن الجنسية، بينما تدور مخاوف الرجال حول مدى قدرتهم على ممارسة الجنس، وعند التفكير في هذه المخاوف سنجدها طبيعية لدى المقبلين على الزواج، لكن تزداد حدتها لدى ذوي الاحتياجات الخاصة بسبب الإعاقة التي تختلف من شخص لآخر.

"قبل الفرح بأسبوع تركني وطلقني بعدما قولت له أن طبيبي المعالج يريد أن يراك بخصوص ممارستنا للجنس،" نادية، ٢٨ عاماً، من مصر، مصابة بالشلل النصفي نتيجة إصابة غير كاملة في الحبل الشوكي بشكل يؤثر على الجذع والساقين والحوض. بعد الإصابة مرت نادية بفترات متقطعة من الاكتئاب الشديد وبعدها أنشئت شركة متخصصة في الشحن والتوصيل، وتطورت العلاقة بينها وبين أحد العاملين معها حتى تقدم لخطبتها. كانت علاقتهما مستقرة للغاية وكان متفهمًا لإعاقتها وداعمًا لها، ولكن أهله كانوا رافضين لها ويتعاملون معها من منطلق أن ابنهم "سليم ولا يستحق أن يرتبط بشخص معيوب" على حد قولها.

وعن علاقتهما الجنسية تقول نادية: "في البداية كان سكس فون وأخبرته بعدها أنني قادرة على استكشاف جسدي من خلال العادة السرية، وبعد كَتب الكتاب عملنا سكس مع بعض أكتر من مرة بأوضاع تتناسب مع حالتي وكنا سعداء، ولكن كان لدي تساؤل داخلي طوال الوقت وهو هل أنا كافية له؟ هل هو راضي تمامًا عن علاقته بي العاطفية والجسدية؟"

الطبيب المعالج لنادية طلب منها أن يقابل زوجها ليتحدث معه في أمرين أولهما ممارسة الجنس حتى يقول له بعض التعليمات الخاصة بمرضى النخاع الشوكي، وثانيهما هو أمر تأجيل الإنجاب، وأن الواقيات الذكرية هي أنسب وسيلة لمنع حمل للمتعايشات مع اصابات النخاع الشوكي.

وتكمل: "في البداية تهرب زوجي من مقابلة الطبيب، ثم انهى علاقته بي دون مبررات، غير أنه لا يحب أن تكون العلاقة الجنسية بيني وبينه تحت إشراف طبيب، كان ذلك قبل حفل الزفاف بأسبوع."

التعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة لا يشمل فقط استيعابهم في العمل والمجتمع والمدراس، بل كذلك في العلاقات العاطفية، وأهمية تثقيفهم جنسياً. الجنس والإعاقة لا يتناقضان، ذوي القدرات الخاصة لديهم دوافع ورغبات وهويات جنسية، والإعاقة بطبيعتها لا تجعل الشخص غير جنسي بشكل افتراضي. الجنس هو جزء أساسي، ولا يوجد شيء غير طبيعي أو خطأ فيه. وجان الوقت للتعامل مع ذوي الاحتياجات الخاصة ومن لديهم إعاقات حركية على هذا الأساس.