WhatsApp Image 2021-03-24 at 15

سيف شواف. جميع الصور مقدمة منه.

ترفيه

عن قرب مع صانع المحتوى سيف شواف

"كنت متأكدًا بأنني لم أُخلَق للعمل خلف مكتب"

لا بد وأنكم قد صادفتم على الأقل مرة واحدة أثناء تجولكم على تيك توك أو إنستغرام أغنية "تشيكن وينغ" بألحان وموسيقى شرقية، وعلق إيقاعها في ذهنكم لتجدوا أنفسكم تدندنون كلماتها بدون شعور على طول اليوم. على الأقل هذا ما حدث معي، لذلك قررت التنقيب قليلًا لأجد العقل المدبر وراء هذه التحفة الموسيقية التي رقصت ملايين الناس عبر العالم وتغنى بها مشاهير عالميين من أمثال ليام باين وجايسون ديرولو.

سيف شواف، ٢٩ عامًا، صانع محتوى سوري-كندي. ولد بالمملكة العربية السعودية لأبوين سوريين وسط ٦ إخوة وأخوات، وترعرع بين دبي والصين قبل أن تستقر عائلته بكندا. بين تخصصه الأكاديمي في إدارة الأعمال، وولعه بعالم الطيران والملاحة الجوية، قرر سيف أن يشق طريقه في مجال مختلف استهواه منذ نعومة أظافره: صناعة المحتوى الرقمي، وخلال فترة قصيرة نجح باستقطاب ٢.٦ مليون متابع على تيك توك.  تواصلت مع سيف على تطبيق زووم، وحاولت التعرف على سيف عن قرب:

إعلان

VICE عربية: لقد نجحت نسخة الزفة لأغنية ”تشيكن وينغ“ في الوصول إلى ملايين الناس حول العالم. كيف تبلورت فكرة هذا الفيديو؟
سيف شواف:
Al-Asala هي فرقة موسيقية متخصصة في تنشيط الأعراس على إيقاعات موسيقى الدبكة. التقيت بهم أول مرة في إحدى المناسبات وعرفت بعد ذلك أن لهم حسابًا على تيك توك، هكذا قررنا العمل معًا على مشروع مشترك. أنا شخصيًا لم أكن من المعجبين بموسيقى الدبكة، ولم أكن أرى أنها نوع موسيقي قد يغري المتابعين الغربيين. لذلك، في طريقنا إلى الموقع الذي قررنا أن نصور فيه أول فيديو لنا، خطر في بالي تغيير لحن واحدة من الأغاني الأجنبية المعروفة، فوقع الاختيار على أغنية WAP لـ Cardio B التي كانت ذائعة الصيت عندئذ على تيك توك. استعملنا النسخة ”النظيفة“ بدون كلمات نابية. 

مباشرة بعد نشر أول فيديو لنا، كانت خانات التعليقات تهيج بالتشجيعات والاعجابات من كل حدب وصوب. كثير من المتابعين طلبوا نسخًا أخرى لأغاني معروفة، وفي أحد الأيام، اقترح علي أحدهم الاشتغال على أغنية Chicken Wing، وهذا ما كان. لقد كنت أتوقع نجاح الفيديو، لكن ليس بالصورة التي وصل إليها، فقد تمت مشاهدته أكثر من ٦٠ مليون مرة، واستُعمِلت ألحان الأغنية في أكثر من مليون فيديو على تيك توك، بل وانتقلت الموجة أيضًا إلى باقي وسائل التواصل الاجتماعي في العالم.

WhatsApp Image 2021-03-24 at 15.33.17.jpeg

لنتعرف عليك أكثر، أنت حاصل على شهادة بكالوريوس في إدارة الأعمال ورخصة طيار خاص، كيف انتقلت لصناعة المحتوى الرقمي؟
منذ صغري وأنا مولع بكل ما له علاقة بالمجال الإبداعي. بدأت علاقتي بتصوير الفيديوهات بالتطور عندما كنت في الجامعة. كنت في بادئ الأمر معروفًا بسلسلة فيديوهات على يوتيوب حيث كنت أسأل الناس عن مواضيع متعلقة بالثقافة العربية. في نفس الوقت بدأت باستخدام تطبيق Vine الذي كان في أوج شهرته ذلك الوقت، وهنا بدأت قاعدتي الجماهيرية بالتطور. كما أنني فزت في مسابقة نظمتها المغنية اللبنانية نانسي عجرم لاختيار فكرة فيديو كليبها ”أعمل عاقلة“ من مشاركات معجبيها، وقد كان شرفًا لي أن أرى فكرتي مُطبقة على أرض الواقع تحت إشراف المخرج الكبير وليد ناصيف، وأن أكون واحدًا من طاقم التمثيل. حقًا لقد كانت تجربة مميزة في مساري فتحت أمامي فرصًا وأبواب عديدة.

إعلان

 ولكنك ابتعدت عن هذا العالم لفترة؟
نعم بعد هذه التجربة، توقفت عن إنتاج المحتوى الرقمي لفترة طويلة نتيجة بعض المشاكل النفسية التي عانيت بسببها من القلق والاكتئاب وفقدان الشغف. عملت لصالح شركة كبرى في مجال تخصصي الأكاديمي لمدة تقارب الأربع سنوات. ولكن كنت أشعر بالاختناق كل يوم خلف المكتب. تفشي فيروس كورونا كان وقعه سلبيًا على الجميع، لكنه سمح لي شخصيًا بتحقيق الكثير من الأهداف التي كنت أؤجلها. فبعد أن فُرِض علينا الحجر الصحي، وجدت نفسي أمامي خيارين لا ثالث لهما: إما الراحة وتضييع الوقت هنا وهناك، أو إكمال ما كنت قد بدأته قبل سنوات. عندما لاحظت التطور الصاروخي الذي عرفه تيك توك، قررت أن أجعل من صناعة المحتوى على هذه المنصة عملي بدوام كامل من الساعة الثامنة صباحًا إلى الخامسة مساءً. الحمد لله بعد تسعة أشهر فقط تجاوزت حاجز مليوني متابع وحصلت على الشارة الزرقاء. لطالما كنت متأكدًا بأنني لم أُخلَق للعمل خلف مكتب.

محتواك ترفيهي بشكل عام، ولكن؛ بين الفينة والأخرى تُدرِج مواضيع جدية مثل الصحة النفسية أو قضية اللاجئين السوريين.
أنا واعٍ للتأثير التي لدي على وسائل التواصل الاجتماعي. صحيح أن هدفي في البداية كان إضحاك الناس، لكنني الآن أصبحت أستغل ”السلطة“ التي أتمتع بها لمساعدة الآخرين وتمرير رسائل ذات قيمة. أنا شخص يؤمن بشدة بفكرة تقديم يد العون لمن هم بحاجة للمساعدة. مثلًا جعلتني تجربتي مع القلق وجهلي لطبيعة هذا المرض عندما كنت أصغر سنًا، أفهم ما يعاني منه المرضى النفسيون، وطبيعة المحتوى الذي يريدون مشاهدته. والقلق لا تتعالجين منه وتتركينه خلفك، إنه يرافقك في كل مرحلة من حياتك، لكن مع المدة تتعلمين كيف تتعايشين معه وتتجاوزينه عندما يراودك. وهذا شعور عادي يجب تطبيعه في صفوف الشباب. 

إعلان

 بالنسبة لقضية اللاجئين السوريين، فإن هذا الموضوع قريب جدًا لقلبي، حتى أن أول فيديو لي على يوتيوب كان بهدف جمع تبرعات لمساعدة السوريين. أنا سوري ودائمًا أفكر في قرارة نفسي، إذا لم يهاجر والدي وينتقلا بنا إلى بلد آخر، لكنت أنا أيضًا لاجئًا أو مقيمًا في أحد المخيمات على الحدود. للأسف لا يوجد محتوى كثير يهتم بشكل مباشر بهذا الموضوع، لذلك أخذت البادرة وقمت بتنظيم حملة لجمع ٣٥ ألف دولار عبر نشر هذا الـ فيديو. المتابعين تفاعلوا بشكل عجيب مع الفيديو وتمكنت من تجاوز المبلغ الذي سطرته لنفسي بنسبة ١٢٠٪.

WhatsApp Image 2021-03-24 at 15.32.42.jpeg

 عانيت لفترة من الاكتئاب كذلك؟
لطالما عانيت من نوبات قلق منذ فترة مراهقتي. أهم هذه الاضطرابات كان مصدرها متعلقًا بالهوية والوجود والخوف من المستقبل بالدرجة الأولى. أخفيت الأمر لسنوات عن عائلتي بسبب الخوف من ردة فعلهم والخجل من مشاعري، وظننت أنني سأتجاوز محنتي النفسية هذه بنفسي. لكن الأمر تفاقم كثيرًا حتى أصبحت أرى أن لا جدوى من بقائي على قيد الحياة، وهنا قررت مصارحة أهلي بكل ما كنت أمر به من مشاكل وأفكار سوداوية.

لدهشتي الكبيرة، كانت ردت فعلهم مغايرة تمامًا لما كنت أتصوره. فقد جلسا معي وتحدثنا مطولًا عن مشاعري بكل تفهم وانفتاح. وبدل أن يقولا لي التزم بدينك أو صلي لك ركعتين، شارك معي والدي عنوان طبيب نفسي متخصص ونصحني بأخذ موعد معه. كانت فرحتي لا توصف ذلك اليوم، لأنني تمكنت أخيرًا من الحصول على المساعدة التي طالما كنت أبحث عنها.  تم تشخيصي بعد ذلك بالقلق من الدرجة الشديدة، وكان علي أخذ أدوية مهدئة خاصة لتجاوز اضطراباتي. وقد ساعدني هذا في الصعود من قعر أفكاري المظلمة، إلى حياتي الطبيعية التي كنت قد افتقدتها صراحة.  الحمد لله لقد توقفت عن أخذ هذه الأدوية، لم أعد أحتاجها بعد الآن.

إعلان

 من بين الأشياء التي ساعدتني على الوقوف على قدمي من جديد كانت الكتب. كنت أقرأ العديد من الكتب حول علم النفس وتكوين الجهاز العصبي للإنسان، ففهمت كيف يعمل عقلي وجسمي وتعاملت مع وضعي وفقًا لذلك. تعلمت أن أول خطوة يجب فعلها هي قبول الشعور بالقلق وعدم الخجل منه، فالقلق بشأن القلق يؤدي إلى قلق أكبر ويجعلنا نحوم وسط دوامة لا نهاية لها؛ بعدها يجب تطوير أساليب خاصة لتجاوز هذا الشعور، في حالتي كان التنفس العميق والتحدث مع نفسي هما سلاحي في مواجهة أي أفكار أو مشاعر قوية. 

صادفت معلومة جميلة في أحد الكتب التي قرأتها. يجب دائمًا تذكر هذه الأسئلة في حالة راودت أي شخص أفكار من قبيل لا أحد يحبني أو سأموت وحيدًا أو لن أنجح في حياتي: هل هذه الفكرة صحيحة ١٠٠٪، هل هذه الفكرة إيجابية، ثم ما هو نقيض هذه الفكرة الذي يشعرني بالسعادة. أهم ما على كل واحد منا تذكره هو أن ٩٩٪ من أفكارنا السلبية غير صحيحة، ولا جدوى من إهدار طاقتنا في التركيز عليها.

WhatsApp Image 2021-03-27 at 22.18.43.jpeg

مع العائلة.

لعائلتك مكانة خاصة في فيديوهاتك. إلى أي حد ساهمت علاقتك بهم في تطوير وإنجاح محتواك؟
أشكر الله كثيرًا على عائلتي وإخوتي الذين لطالما ساندوني ولا يزالون يساندونني في كل خطوة أقوم بها. تشجيعهم لي وثقتهم في المحتوى الذي أصنعه هو وقود إبداعي الذي يجعلني مستمرًا فيما أقوم به. أنا جد ممتن لقبول أمي وأختي مسا وإخوتي سلمان وركان ورماح الظهور في فيديوهاتي. لولا عائلتي لما نجحت العديد من بنات أفكاري في الوصول إلى أكبر شريحة من المتابعين. الجميل في الأمر هو أن شقيقي سلمان الذي كان يساعدني في تصوير فيديوهاتي أيام الحجر الصحي، أصبح هو الآخر صانع محتوى على تيك توك الآن بعد أن احتك بالميدان وأُعجِب بالطاقة التي ترافق إنتاج هذا النوع من الفيديوهات.

 هل هناك أي أعمال مستقبلية يجب أن نستعد لها؟
في المستقبل القريب، أنوي إيجاد فرقة دبكة أو زفة قريبة من مكان سكني من أجل تصوير نسخ أخرى على نفس الأسلوب. كما أن لدي سلسلة جديدة What? There’s no way التي أحاول فيها تجربة اكتشافات مثيرة للاهتمام تخفى عنّا وإعادة تصويرها بأسلوبي. وقد بدأت مؤخرًا الاشتغال مع صانعة المحتوى مايا حسين على سلسلة فيديوهات جديدة، وهناك مشاريع تعاون أخرى قادمة مع صناع محتوى عرب من مختلف الجنسيات. كما أنني أطلقت سلسلة ملابس تحمل عبارات مرتبطة بالمحتوى الذي أقدمه، ويمكن لأي كان اقتنائها. فقط انتظري، أفكار عديدة تُطهى داخل رأسي.