DRAFT02-01
مقال رأي

ممثلات المسرح في الخليج: حبيسات قوقعة نمطية من الأدوار بسبب وزنهن

نجد هؤلاء الممثلات في أغلب الأحوال مقيدات بصورة المرأة الظريفة أو الشخصية الحمقاء

" ابداً ما يضحك." عبارة رددتها أكثر من مرة خلال مشاهدتي مسرحية "خاربة خاربة" للمرة الثانية مع عائلتي. كيف كانت تمر تلك النكات المليئة بالاستهزاء والعنصرية أمامي كالماء المعتق دون أن أحسب لها حساباً؟ لمن لا يعرف، مسرحيات الممثل الكويتي طارق العلي، يتكرر فيها نمط مُهين يتم فيه السخرية من النساء بسبب شكلهن الخارجي، في الوقت الذي تعتبر هذه المسرحيات أنها تقدم رسالة تخدم المجتمع. يبدو أن البعض قرر غض النظر عن كل تلك الرسائل أم السمومية و "المسخرة" التي تحدث على خشبة المسرح تحت اسم الفن؟ 

إعلان

لفترة طويلة، وقعت فنانات الوزن الزائد تحت صورة نمطية وتم تحديدها في أدوار المرأة "اللطيفة والمرحة" -وهي الصورة التي وضعتني في خانة نمطية معينة وجعلت من الصعب أن أكون وقحة مع من يستحق بحكم زيادة وزني. الأمر طبعاً لا يتعلق بالمسرحيات فقط، فالأفلام والمسلسلات العربية أو الأجنبية تتبع نفس المنوال وبشكل متكرر و"مخزي." وإذا كنا سنتطرق إلى الدراما الخليجية الحالية فالحال أصبح من سيء إلى أسوأ، حيث تعاني بعض الممثلات ذوات الوزن الزائد من التمييز الجسدي فيما يخص الأدوار التي تُملى عليهن كما في حالة هيا الشعيبي، ممثلة كويتية كوميدية، التي تتعرض للتنمر على شكل جسدها، أو مثل معاناة الممثلة ياسة، ممثلة عراقية تعيش في الكويت، والتي تعرضت للعنصرية من بعض المخرجين الذين يرفضون إسنادها بعض الأدوار الأساسية للون بشرتها و وزنها الزائد وحصرها تحت "شخصية معينة" مما أدى إلى اعتزال الفنانة عن المسرح رغم عشقها له.

ولا ننسى قصة الممثلة سعاد سلمان، ممثلة عراقية، التي تعرضت للتنمر على الهواء مباشرة حيث استقبلت القناة التي تستقبلها كضيفة مكالمة من أحد الجماهير، وقام بانتقاد جسم سعاد وألح عليها بخسارة بعض الوزن لتبدو "أجمل" مما أدى إلى اكتئابها وقادها إلى إجراء عملية تكميم بعد موجة التنمر التي تعرضت لها من قبل مجموعة من الحمقى على السوشيال ميديا.

وقعت فنانات الوزن الزائد تحت صورة نمطية وأدوار "اللطيفة والمرحة" وهي الصورة التي وضعتني في خانة نمطية معينة وجعلت من الصعب أن أكون وقحة مع من يستحق بحكم زيادة وزني

لم يكن هذا الوضع الدائم في الدراما الخليجية، فعندما عينت الممثلة الراحلة مريم الغضبان، إحدى اوائل الممثلات الكويتيات، لتمثل دور المرأة الممتلئة، حسب كلام  الممثلة مريم الصالح لم يكن يحتوي المجال الفني في الستينيات على الكثير من الممثلات، وكان الهدف وقتها العثور على من تصلح للأدوار النسائية الأكبر سنًا، وكانت هذه أهداف تعيين مريم الغضبان لتمثل تلك الأدوار ناهيك عن غيرها. واشتهرت الراحلة مريم بدور الجدة حبابة التي كانت تروى قصص في الإذاعة أيام شهر رمضان، غيرها عن الكثير من الأعمال المشهورة.

مع مرور الوقت، بدأنا نشهد توجهاً عاماً لتحديد الأدوار التي تلعبها بعض الممثلات ذوات الوزن الزائد -والقليل منها ما يتبع نهج مريم الغضبان - حيث نجدها في أغلب الأحوال مقيدة بصورة المرأة الظريفة أو الشخصية الحمقاء. وأصبح ذلك أكثرا انتشاراً مع مطلع الألفية الجديدة وبالتحديد عندما بدأ يركز الإعلام على الهيئة الجسدية بعد خروج موضة الفيديو كليبات وانتشار عمليات التجميل من بين أسباب أخرى. وهنا اقتبس من الممثلة القديرة انتصار الشراح، ممثلة جزائرية كوميدية تعيش في الكويت، والتي تتحدث عن التحديات التي تعرضت لها خلال عملها: "لم أشاهد من تشبهني بشكل فعلي في خطي الفني، ذلك أن الكوميديا لدى النجوم الشباب اليوم تنتهج نهج المسخرة."

لقد تسبب به هذا النوع من المحتوى بضرر كبير على من هم مثلي من الراغبات في التمثيل أو من محبات المسرح، اللواتي ينصدمن بمحدوديات الأدوار المقدمة لهن، هذا غير الضغط النفسي في مواجهة  الرفض بسبب أجسادهن. من المحزن انحدار المسرح الخليجي في هذه الجزئية.  قد بدأت الدراما الخليجية على أسس مهنية تعكس احترام جميع الفئات، ولكن يبدو أن ذلك بدأ يتغير بشكل واضح مع مرور الزمن. والسؤال هو  كيف سيكون بمقدور الجيل القادم الفنانات الواعدات تقبل هذه الصورة النمطية، وكم من العقود يحتاجها عالم الفن حتى يقفز قفزة جديدة بعيدًا عن كل تلك الترهات والتمييز الجسدي التي نشهدها حالياً؟ ومتى يتم معالجة هذه القضية والاعتراف بأن هناك ممثلات موهوبات وقعن تحت رحمة المنهج الذكوري السام الذي فرض عليهن معايير وأدوار لا تناسب مواهبهن أو جعلهن حبيسات في قوقعة نمطية لا مفر لهن منها.