12092979683_c3926d804f_k

Mohamed Azakir / World Bank

سياسة

ماذا ينتظر السوريين/ات في حال تم ترحيلهم من لبنان؟

الإشكالية الأساسية تتمثّل بغياب أي آلية مراقبة مستقلة في سوريا

تتّجه الدولة اللبنانية إلى ترحيل اللاجئين/ات السوريين/ات قسرياً إلى سوريا، البلد التي يحكمها نظام القتل والمعتقلات والعسكرة. وهذه الخطوة ليست مفاجئة من نظامٍ لبنانيّ لطالما انتهك اللاجئين/ات وعاملهم/ن بأسوء أساليب التمييز والعنصرية.

كشف وزير المهجّرين اللبناني في حكومة تصريف الأعمال، عصام شرف الدين، عن خطّة تهدف إلى ترحيل وإعادة ١٥ ألف لاجئ/ة سوري/ة شهرياً إلى سوريا بالتعاون مع النظام السوري، وأكّد شرف الدين في تصريح صحافي بعد لقاء جمعه يوم الاثنين ٤ تموز مع رئيس الجمهورية اللبنانية ميشال عون، حيث أطلعه على الاتصالات الجارية بهدف إعادة اللاجئين/ات إلى الداخل السوري، بأنّه على تواصل مع الجهات المعنية في الجانب السوري وبأنّ النظام السوري يمدّ يده للتعاون لتسهيل هذه العودة. 

إعلان

كما صرّح أنه عقد عدّة اجتماعات مع الجهات الأممية الممثلة بمفوّض شؤون اللاجئين بهدف طرح الخطة اللبنانية، وأكّد أنه بإنتظار ردّ من مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين حول هذا الخصوص. حيث قال شرف الدين "الحرب في سوريا انتهت والبلد أصبح آمناً، ومرفوض كلياً ألا يعود النازحون."

تأتي هذه الخطوة بعدما هدّد مسؤولون لبنانيون، ومنهم نجيب ميقاتي، رئيس حكومة تصريف الأعمال والمكلّف بتشكيل الحكومة اللبنانية المرتقبة، بترحيل السوريين/ات قسرياً من لبنان. حيث قال "أدعو المجتمع الدولي إلى التعاون مع لبنان لإعادة النازحين السوريين إلى بلدهم، وإلا فسيكون للبنان موقف ليس مستحباً على دول الغرب، وهو العمل على إخراج السوريين من لبنان بالطرق القانونية، من خلال تطبيق القوانين اللبنانية بحزم." كما تذرّع نجيب ميقاتي بأنه لم تعد لدى لبنان القدرة على تحمّل عبء اللاجئين/ات، لا سيما في ظل الظروف والأزمة الاقتصادية الحالية في لبنان، التي تسببت برفع معدلات الفقر بين السكان البالغ عددهم نحو 6.5 ملايين.

ويسعى وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال، عصام شرف الدين، لمناقشة ملف اللاجئين السوريين، خلال زيارته لدمشق في الأيام المقبلة وخطة السلطات اللبنانية التي تقوم على إعادة 15 الف لاجئ شهرياً، وذلك على الرغم من تحذير منظمات دولية من الإعادة القسرية بعد تسجيلها لانتهاكات تعرض لها عدداً من الذين سبقوا أن عادوا إلى سوريا.

إعلان

يعيش أكثر من مليون لاجئ/ة سوري/ة في لبنان، يقطن القسم الأكبر منهم/ن في المخيّمات التي تتلقى مساعدات مباشرة من الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية وجمعيات إغاثة أخرى، ونظراً أنّ عشرات الملايين من الدولارات تدخل إلى لبنان كلّ سنة على شكل تلك المساعدات، فإنّ هذا الواقع يشكّل تعقيدات في وجه نظرية "العبء الاقتصادي" التي تُستخدم من قبل سلطاتٍ مالية ومصرفية هي بحد ذاتها العبء الأكبر على إقتصاد البلد.

وفي هذا الإطار يقول رئيس المركز اللبناني لحقوق الانسان، وديع الأسمر: "العبء الاقتصادي موجود، وفي المقابل المساعدات أيضاً موجودة، وللأسف تغيب في لبنان الإحصائيات الجدّية والموثوقة، فالأرقام التي يتم تداولها حول العبء الاقتصادي الذي يسبّبه اللاجئون هي أرقام خيالية وبعضها كاذبة.

ويضيف: "بعض السياسيين اللبنانيين يتّهمون اللاجئين ويحمّلونهم مسؤولية الأزمة اللبنانية بهدف التهرّب من مسؤوليّتهم والحلقة المالية والمصرفية في البلد تجاه الانهيار الحاصل. العبء الاقتصادي موجود، لكنّ هذا العبء لا يُواجَه بالضغط على الضحايا. اللاجئون ضحايا قبل كل شيء. هذا العبء يجب أن يُواجَه من خلال خطة اقتصادية جدّية ومن خلال القيام بإصلاحات، كما يمكن الاستفادة من المساعدات المُرسلة إلى اللاجئين واستثمارها بشكل صحيح. تحميل اللاجئ مسؤولية الانهيار هو انتهاك لمسؤوليات الدولة اللبنانية بتأمين الكرامة لكل إنسان يعيش في لبنان."

بمعنى آخر، السلطة في لبنان تلجأ إلى التهرّب من مسؤوليّاتها تجاه الانهيار الحاصل، فتصوّر الواقع بطريقة مغلوطة بهدف حماية نفسها، وتلقي اللوم على الفئة الأضعف وهي اللاجئون/ات، فيصبح التدهور الحاصل وأزمة البلاد سببها الرئيسي وجود اللاجئين/ات، ويغدو النظام اللبناني بكل مكوّناته وأقطابه بريئاً من كل ما يحصل.

إعلان

ويعاني اللاجئون السوريون في لبنان من حملات تضييق واسعة من قبل المنظومة الحاكمة التي تحمّلهم مسؤولية جميع أزمات البلاد. وتنفي منظمات حقوقية أن اللاجئين السوريين لديهم أي مسؤولية للأزمة الاقتصادية في لبنان، أو القول إنهم  يأخذون حقوق المواطن اللبناني، بالإضافة إلى أزمتي الكهرباء والمياه وما إلى ذلك. في الواقع، وجود اللاجئ السوري فتح أبواب كثيرة للمساعدات والاهتمام بمناطق الريف الفقيرة التي كانت منسية ومهملة وتنعدم فيها البنى التحتية. وفي ما يتعلق بالقطاع التربوي، نالت المدارس خلال السنوات الخمس الأخيرة قسطاً كبيراً من المساعدات. وتشير منظمات حقوقية إلى أن على الحكومات المانحة الدولية مساعدة البلدان المضيفة مثل لبنان من خلال التمويل الكامل لبرامج المساعدة الإنسانية، وإعادة توطين عدد أكبر من السوريين المقيمين في لبنان.

مؤخراً، انضمّت الإعلامية اللبنانية داليا أحمد إلى حملة التحريض العنصري تجاه اللاجئين السوريّين في لبنان. وفي برنامجها (فشة خلق) الذي يُعرض على قناة "الجديد" اللبنانية، دعت داليا اللاجئين للعودة إلى بلادهم بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان، زاعمة أن اللبنانيين "تقاسموا كل شيء مع السوريين خلال فترة لجوئهم منذ 11 عاماً"، وخاصة بتقاسم المواد المدعومة حكومياً كالخبز والبنزين والكهرباء وغيرها.

إعلان

إن نشر هذه السردية وهذا الخطاب من قبل النظام اللبناني بالإضافة لبعض الإعلاميين والإعلاميات ليس إلّا نشراً لخطاب وحملات الكراهية والعنصرية ضدّ اللاجئين واللاجئات، ويهدف إلى تعبئة الشعب اللبناني ضدّهم/ن، وأكثر من ذلك، فإن هذا الخطاب يسوّق للعنف ضدّهم/ن ويهدّد سلامتهم/ن، على أنّ تسجّل حكومة ميقاتي نصراً مزيّفاً في ظلّ بحرٍ من الخسائر. وأدت الأوضاع الاقتصادية المتردية في لبنان إلى أن ثمانين في المئة من السكان أصبحوا في حالة فقر.

من ناحية أخرى، إن تطبيع دول العالم مع نظام الأسد، وإجبار اللاجئين/ات على العودة إلى الداخل السوري بذريعة أن "الحرب انتهت وأن العودة أصبحت آمنة" تحوّل اللاجئين/ات إلى ورقة سياسية تتناتشها مصالح الدول بعيداً عن أي اعتبارات تضمن سلامة اللاجئين/ات. فالعودة ليست آمنة والأمان سيظلّ غائباً عن كل من يعارض نظام بشار الأسد حتّى ولو انتهت الحرب العسكرية، فالنظام الذي يعتقل ويعذّب ويقتل معارضيه لا يزال قائماً.

وحول هذا، يقول الأسمر: "الاشكالية الأساسية هي أن السياسيون اللبنانيون يتناسون أن المعرقل الأساسي للعودة الآمنة والطوعية للاجئين إلى سوريا هو النظام السوري من خلال عدّة قوانين تم سنّها تقضي بتجريد العائدين من العديد من حقوقهم، بالإضافة إلى رفض النظام السوري إعادة اللاجئين إلى مناطقهم، فأغلب اللاجئين في لبنان أتوا من مناطق القصير ومن الغوطة الشرقية لدمشق، والنظام يريد إعادتهم لمناطق دير الزور والسويداء البعيدة عن مناطقهم ومنازلهم."

وتؤكّد الكثير من التقارير أن عودة اللاجئين/ات السوريين/ات إلى الداخل السوري ليست آمنة، فبحسب "هيومن رايتس ووتش" واجه اللاجئون السوريون الذين عادوا من لبنان والأردن بشكل طوعي بين 2017 و2021 انتهاكات حقوقية جسيمة واضطهاداً من الحكومة السورية والميليشيات التابعة لها، مثل التعذيب، والقتل خارج نطاق القانون، والاختفاء القسري. كما أظهرت تقارير أخرى، اعتقال مخابرات النظام السوري منذ فترة قصيرة 11 لاجئاً سورياً عائدين من لبنان.

ويضيف الأسمر: "تؤكّد عدّة تقارير تعرّض العديد من اللاجئين العائدين إلى الداخل السوري للإعتقال والإختفاء القسري بالإضافة لتعرّضهم للتحقيق والتعذيب. والإشكالية الأساسية تتمثّل بغياب أي آلية مراقبة مستقلة في سوريا، فللأسف المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة والموجودة في سوريا بالإضافة لمنظمات دولية أخرى غير قادرين على إجراء أي مراقبة لضمان أمن وسلامة اللاجئين العائدين، وهذا الأمر يعقّد عودة اللاجئين، لذلك لا يمكننا أن نتكلّم عن عودة آمنة."

ترحيل اللاجئين من قبل السلطة اللبنانية تمثّل انتهاكاً لإلتزامات لبنان الدولية، فبحسب رئيس المركز اللبناني لحقوق الانسان: "في حال اتّخذت الدولة اللبنانية قراراً بترحيل اللاجئين قسرياً إلى سوريا، فهذا لا يمثّل إنتهاكاً لإلتزامات لبنان الدولية فقط، بل أيضاً إنتهاكاً للقانون اللبناني، لأن لبنان صادق على اتفاقية مناهضة التعذيب ونقلها بالقانون المحلي، كما صادق لبنان على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، وكلاهما يمنعان إعادة أي لاجئ قسرياً إلى بلده وخاصة في حال وجود خطر على حياته من ناحية التعذيب أو القتل."