تعليم

عما يقابله طلاب الإعلام في مشروعاتهم الجامعية

"الشغل لازم يكون بروفيشنال، كاميرا بروفيشنال، مونتاچ بروفيشنال، مش أي حاجة كده وخلاص"
ندى جمال
إعداد ندى جمال
johanna-buguet-W2D5bsAySEM-unsplash

قد يكون أول ما يخطر في بالك عما يواجه طلاب الإعلام في مشاريع تخرجهم من عقبات هو صعوبة التنفيذ، أو الحيرة في اختيار فكرة المشروع من الأساس، أو لعلها محاولات التجريب التي قد تبوء مرة بالنجاح ومرات بالفشل، أو مجادلاتهم وتشتتهم خلال تقسيم أفراد الدفعة إلى فرق للعمل، ولكن التحدي الأكبر أمام كثير من الطلبة من جامعات عربية مختلفة هو: ارضاء المشرفين على مشروع التخرج.

في حديثي مع عدد من الطلاب العرب، اتفق كثير منهم على أن التحدي الأكبر الذي يواجهونه خلال العمل على مشاريع التخرج هو الحدود التي يتم وضعها من قِبل المشرفين على المشروع، والتي تتضمن فرض أفكار معينة للمشاريع، ووضع شروط "تعجيزية" على المشروع لدفع الطلاب للبحث عن متخصصين في المجال ـمقابل أجر- للعمل على المشروع وليس للطلاب أنفسهم، ومن هنا يتحول الطلاب إلى ممولين لفكرة مشروع لا ينتمون لها.

إعلان

ثراء، فتاة سعودية في منتصف العشرينات وهي خريجة كلية الإعلام والاتصال بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، تقول لـ VICE عربية أنها خلال فترة اختيار فكرة لمشروع التخرج اتفقت مع زميلة أخرى على العمل على فيلم تسجيلي يحكي عن وضع المرأة في السعودية بحيث يركز على تطلعات النساء في مناطق مختلفة في أرجاء المملكة. ولكن الأستاذ المشرف رفض الفكرة "بحجة أن الفكرة تحتاج لأشخاص متمرسين في المجال أكثر وأننا لا نزال مبتدئات وطلب منا التفكير بمشروع آخر،" تضيف ثراء.

عادت ثراء وزميلتها بفكرة أخرى عن تطور دور المرأة في الإعلام العربي: "أخبرنا المشرف أننا كنا على تواصل مع عدد من العاملات في المجال الإعلامي، ولكن مجدداً اعتبر أننا لا نستطيع العمل على هكذا مشروع، وطلب منا أن نلجأ لمتخصصين في التصوير والإخراج والمونتاج، وأن نكتفي فقط بوضع ميزانية للفيلم."

وتستكمل ثراء حديثها قائلة: "في ذلك الوقت كنت أمتلك كاميرا ديجيتال وكنت أتعلم التصوير الفوتوغرافي والفيديو، وكانت زميلتي الأخرى لديها خبرة ليس بقليلة في التعديلات المتعلقة بعملية المونتاج. أخبرنا المشرف أننا مؤهلات لصناعة الفيلم، ولكنه رفض مرة أخرى وعرض علينا فكرة أخرى عن إحدى مشروعات المرور والطرق في المملكة، وأخبرنا أن الفكرة هذه المرة إلزامية، مبررًا ذلك بأننا فشلنا في الوصول إلى فكرة ملائمة لمشروع التخرج."

أوضحت ثراء أنها عانت مع زميلتها في تلك الفترة من ضغط رهيب على حد قولها؛ لأنها وجدت نفسها مع الوقت منساقة لفكرة لا تنتمي لها. وتضيف: "مشروع الطرق لم يكن كفيلم تسجيلي كما أردت في الفكرتين السابقتين، ولكنه كان فيديو دعائي."

إعلان

ولم يقتصر الأمر على فكرة لم تختارها ولا على قالب إعلامي لم تنشده من البداية، ولكن مشرف المشروع كان يلزم ثراء بمصادر معينة للحديث معها، واقترح عليهم التواصل مع أحد المصورين قائلًا: "الفيديو لابد أن يصور بطريقة بروفيشنال حتى يتسنى لنا فيما بعد المشاركة به في مسابقات إعلامية ومن ثم الحصول على جوائز تقديرية تستفيدون بها في مستقبلكم الإعلامي وترفع من اسم الجامعة."

وتضيف ثراء: "غضبي مما حدث في تلك الفترة كان مثل كورة الثلج التي تشكلت صغيرة وأخذت تتدحرج وتكبر، فلم تعد أسباب غضبي هي سلب حقي في التجريب كطالبة، ولكن ما جعلني استشيط غضبًا بمرور الوقت هو أنني كنت الممول الرئيسي لهذا الفيديو الدعائي بالتقاسم مع زميلتي. كتاب السكريبت والمصورين والعاملين على المونتاج جميعهم رشحهم لنا المشرف، وطبعاً، طلبوا مبالغ كبيرة وكأنهم يتعاملون مع شركة إنتاج أو مع شركة إعلانات، وليس مع طلاب لم يتخرجوا من الجامعة بعد." وتضيف: "لم يحصل مشروع تخرجي على أي جائزة بالرغم من مشاركته في ثلاث مسابقات إعلامية متخصصة في المشروعات الطُلابية، بالرغم من أن جميع صناع الفيديو محترفين كما أرد المشرف."

طب احنا كده استفدنا إيه؟ اتعلمنا إيه؟ ولا أي حاجة

"الشغل لازم يكون بروفيشنال، كاميرا بروفيشنال، مونتاچ بروفيشنال، مش أي حاجة كده وخلاص." قد تظن أن الحديث السابق خاص بمشرف مشروع تخرج ثراء في السعودية، لكنه خاص بأحد أساتذة قسم الإعلام بكلية الآداب جامعة الإسكندرية لدفعة 2015- 2019 وهو ما قصته علينا مريم عبد الحافظ، 24 عاماً، خريجة القسم في تلك الدفعة.

"الكلام ده اتقالنا واحنا شغالين على مشروع للكلية، يعني طلبة لسه بنتعلم وبنجرب، فازاي هنعمل شغل بروفيشنال؟ بالفلوس طبعًا مش محتاجة كلام، ندفع كويس هنلاقي ١٠٠ شخص بروفيشنال يخلصلنا شغلنا بأحسن كواليتي، طب احنا كده استفدنا إيه؟ اتعلمنا إيه؟ ولا أي حاجة. المهم صورة الدكتور ومادة الدكتور، ويبان إن المشاريع اللي عملناها ١٠٠/١٠٠ وتقدر تنافس في أي مسابقة برا،" تضيف مريم.

إعلان

تم تقسيم طلاب قسم مريم لـ ٣ مجموعات، كل مجموعة لا تقل عن 20 طالب، ووجدت مريم نفسها في المجموعة الرابعة مع أربع طلاب فقط. "أنا وصحابي لقينا نفسنا لوحدنا. أصغر جروب وأفقر جروب كمان للصراحة يعني من حيث المستوى المادي."

قررت مريم وزملائها العمل على مشروع التخرج لوحدهم بدون الاعتماد على مصادر خارجية، رغبة منهم في تطبيق ما تعلموه في الجامعة، وتقوية مهاراتهم ولكن تم رفض ذلك من قبل المشرف:"دي ماكنتش أول مرة نشتغل مع بعض كنا عارفين إمكانياتنا كويس، وعارفين إن كل واحدة فينا شاطرة وموهوبة في حاجة، من تصوير وكتابة لڤويس أوفر، حتى المونتاچ كنا جربنا نتعلم برامجه في وقت سابق. بس قرارنا ده اتقابل برفض طبعًا."

إصرار وتصميم مجموعة مريم مع تصعيدهم الودي للأمر وحديثهم مع رئيس القسم وطلبهم مجرد فرصة لصناعة مشروعهم المتمثلة فكرته في الصعوبات التي تواجهها البطلات في الألعاب الرياضية المختلفة وصناعة حملة إعلامية له بعنوان "مش بالساهل." وفي النهاية، حصلوا على موافقة دكتور المادة.

وعن يوم عرض المشروعات قالت مريم: "كنا أخر جروب عرض شغله، وكل اللي قبلنا اتسألوا عن تكلفة مشروعهم وسمعنا أرقام بالآلاف تتراوح بين ٢٠ و٣٠ ألف جنيه ولما جه الدور علينا واتسألنا صرفتوا كام؟ ردنا كان إننا ماصرفناش غير شاي وقهوة ونيسكافيه في الكافيهات اللي قعدنا عليها واحنا بنخلص الشغل، وكمان فلوس المواصلات وأحنا بندور على المصادر. خدنا درجة عالية يومها اكبر من اللي استعانوا بأشخاص يعملولهم شغلهم، وده لأن لجنة تقييم المشروعات كان أفراد منها منتدبين من خارج الكلية، بمعنى أن مش دكتور المادة هو فقط المتحكم في الدرجات، وقتها اتأكدنا إننا كنا صح، وماينفعش نشتري شغلنا من حد، ولو الحاجة ماتعملتش بإيدينا عمرنا ماهنحس بطعم نجاحها زي اللي حسناه يومها واحنا بنسمع تقييم شغلنا."

إعلان

المستفيد الوحيد في تلك العملية ليس الطالب ولا أستاذ المادة ولا القسم ولا الكلية بأكملها ولكن المستفيد هو المراكز التعليمية والمتخصصين بالمقاولة

نفس الأمر تكرر مع نهال، طالبة بالفرقة الثالثة بكلية الإعلام جامعة القاهرة، تحكي عن تجربتها في إنجاز مشروعات وتكليفات المواد الدراسية منذ بداية التحاقها بالجامعة وحتى الآن: "التحقت بكلية الإعلام بعد حصولي على مجموع مرتفع في الشعبية الأدبية بالثانوية العامة، وكنت أظن أن عهد التلقين والحفظ من أجل المجموع قد انتهى، وأن الآتي هو مساحة من الحرية في الكتابة الصحفية وفي أنشطة الجامعة عمومًا وحتى في المذاكرة نفسها. ولكنني صُدمت بالواقع، حفظ وتلقين من جديد في المذاكرة، وأنشطة طلابية أكثر ما تفتقده هو النشاط والإبداع، وأخيرًا تكليفات وأبحاث ومشروعات قائمة على أساس التجارة والتمويل."

تقول نهال أن متطلبات الأساتذة في دائرة الإعلام كانت مرتفعة للغاية بشكل لا يتناسب مع إمكانيات الطلاب، وتضيف: "أحيانًا تكون تلك المتطلبات من باب التعقيد ولاكساب المادة ذاتها المزيد من الثقل مما يجعل الطلاب يهابونها ويهابون الدكتور. وأحيانًا أخرى تكون تلك المتطلبات في مصلحة الطلبة على حد قول بعض الأساتذة، لإظهار الوجه المشرف لهم وللقسم في الكلية. ولكن من وجهة نظري المستفيد الوحيد في تلك العملية ليس الطالب ولا أستاذ المادة ولا القسم ولا الكلية بأكملها ولكن المستفيد هو المراكز التعليمية والمتخصصين بالمقاولة. أسميهم هكذا لأنهم يقاولون مجموعة من الطلاب في مقابل إنجار فيلم قصير لهم على سبيل المثال مثل كتابة السكريبت والتصوير والمونتاج، أو إخراج مجلة صحفية لهم من حيث تصميم المجلة والطباعة، أو تنفيذ تصميمات دعائية للحملات الإعلانية وغيرها من تكليفات الأقسام، وكل ذلك يتم مقابل مبالغ ضخمة."

إعلان

وضع الحوثيون ضوابط جديدة في إنجاز التكاليف والمشروعات الجامعية أبرزها عدم الاختلاط بين الفتيات والرجال

في عام 2012 قررت كلية إعلام صنعاء في اليمن وضع شروطًا مرتبطة بمشاريع تخرج طلاب الصحافة أبرزها تسليم مواد المشروع قبل الإخراج والطبع كي يتم قبوله أو رفضه. وأعلن رئيس قسم الكنترول ومدرس مادة الخبر الصحفي في الكلية حينها -ولكنه الآن هو رئيس قسم الصحافة-  الدكتور علي العمار أن الدافع وراء الشرط هو عدم وقوع الطلاب في خطأ مهني أو أخلاقي مثل الخطأ الذي وقع فيه الطالب عبد الرزاق العزعزي في 2010 والذي حوى مشروع تخرجه ملف عن الجنس في اليمن، وهو ما أحدث ضجة في الجامعة. هذا الشرط وضع طلاب الصحافة تحت الرقابة، وهو ما جعل معدل رفض أفكار المشروعات أعلى.

يقول خالد، طالب بكلية الإعلام جامعة صنعاء، يقول أن هناك تحكم ورقابة من قبل الحوثيين، الذين يسيطرون على مناطق واسعة في شمال البلاد وغربها وكذلك على العاصمة صنعاء منذ عام 2014.

الاختلاط ممنوع، إنها جامعة!

"فيما مضى كان الطلاب يعانون من تحكمات أساتذة الجامعة في التكليفات ومشروعات التخرج، وأنا على دراية كافية بما كان يحدث لأن أحد أفراد عائلتي خريج كلية الإذاعة والتلفزيون، فكان الطلاب يعانون من بداية موافقة الدكتور على فكرة المشروع ثم تحكماته التي تتضمن رفضه اعتماد الطلاب على أنفسهم في التصوير والإخراج والمونتاج إلا ما ندر. ولكن الوضع حاليًا أكثر سوءًا بسبب الحوثيين الذين وضعوا ضوابط جديدة في إنجاز التكاليف والمشروعات الجامعية أبرزها عدم الاختلاط بين الفتيات والرجال، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أن أفراد الملتقى الطلابي الحوثي قاموا بإجراء تعديلات وقصقصة بعض الفيديوهات التي تم إنتاجها بواسطة طلاب كلية الإذاعة والتلفزيون الخريجين، تحت مبرر وجود اختلاط."

إعلان

يصل الأمر إلى أن الطالب لا يساهم بأي شيء في مشروع تخرجه أو تكليف تدريبه العملي غير بتمويله المادي

د. أماني سليمان، أستاذ التاريخ الحديث والعلاقات الدولية بكلية الآداب في جامعة الإسكندرية تقول لـ VICE عربية أن هناك بعض الأساتذة ما يعنيهم هو تنفيذ المشروعات بغض النظر عن المنفذ ذاته "سواء كان الطالب أم أحد القائمين على الدكاكين غير الشرعية خارج الجامعة."

وتضيف د. أماني أن بعض الطلاب إمكانياتهم المادية محدودة، وبالتالي عمدما يقررون إنجاز مشروعاتهم بأنفسهم، تخرج المشاريع بشكل يتناسب مع الإمكانيات العلمية والمادية، ولكنها تبدو هزيلة ودون المستوى بجانب الشغل الذي تم انجازه بواسطة "الدكاكين" خارج الجامعة.

وتنهي بالقول: "يعتبر بعض المشرفين أن الطلب ما يزال مبتدىء، وعليه الاستعانة بمتخصص لديه خبرة. وقد يصل الأمر إلى أن الطالب لا يساهم بأي شيء في مشروع تخرجه أو تكليف تدريبه العملي غير بتمويله المادي. وأي أستاذ مادة قادر على معرفة الشغل المقدم له يتناسب مع مؤهلات وإمكانيات الطالب أم لا، وبالتالي أساتذة المواد على دراية كاملة بما يحدث. في بعض الأحيان نجد أساتذة يتفاخرون بالأعمال المقدمة إليهم، رغم علمهم أن الطلاب لم ينجزوا فيها شيء، وأن وجه التنافسية بين المشروعات هو أن مجموعة العمل ألف أنفقت أموال أكثر من مجموعة العمل ب، حتى إذا كان ذلك على حساب الأمانة والدقة العلمية."

أسماء الطلاب مستعارة حسب طلبهم.