رياضة

عدائون من حول العالم يتحدون الحرارة في سباق لهيب العلا 2023

يعد السباق تجربة استثنائية ورحلة مليئة بالمغامرات واستكشاف متكامل للمنطقة التي تزخر بالمعالم التاريخية التي تعود لما قبل الميلاد.
عدائون من حول العالم يتحدون الحرارة في سباق لهيب العلا 2023

جميع الصور من تصوير flashstudiosofficial@ و  photographyalula@

بين التضاريس الصحراوية وطبيعة العلا الخلّابة، انطلق الأسبوع الماضي سباق "لهيب العلا" لمسافات ١٠، ٢١، ٤٢ كيلومترًا، بمشاركة ٢٠٠ عدّاء وعداءة من حول العالم، للتنافس على جوائز نقدية بقيمة ١١٠ آلاف سعودي (٣٠ ألف دولار). 

يعد السباق تجربة استثنائية ورحلة مليئة بالمغامرات واستكشاف متكامل للمنطقة التي تزخر بالمعالم التاريخية التي تعود لما قبل الميلاد، والتضاريس الطبيعية التي تتنوع بين مزارع النخيل والجبال الشاهقة. 

إعلان

انطلق عشاق الرياضة والمغامرة سباقهم من منطقة الحِجر التاريخية، أول موقع سعودي يسجل على قائمة اليونسكو للتراث، بينما انطلق المشاركون لمسافة ٤٢ كيلومترًا من وادي عشار أمام قاعة مرايا، أكبر مبنى مغطى بالمرايا في العالم بحسب موسوعة غينيس. 

واختبر السباق الذي تم الإعلان عنه قبل ٣ أشهر، قدرة العدائين والعداءات على تحمّل المجهود البدني الشديد في درجات الحرارة العالية خلال فصل الصيف، حيث وصلت الحرارة إلى ٤٢ درجة مئوية في قلب الصحراء. وقام المنظمون بإعداد كافة إجراءات السلامة للمتسابقين من مسعفين وممرضين ومحطات مياه ومرطّبات موزّعة على كافة نقاط المسار تفاديًا لوقوع أي إصابات. 

رافقت العداءات والعدائين منذ بداية السباق في الثامنة صباحًا ليشاركونا تجربتهم عن أول ماراثون يقام في العلا.

Desert-Blaze-10 (1).jpg

يوسف عسيري

في الدقيقة الـ ٢٨ من بدء السباق، اقتنص العداء السعودي يوسف عسيري (٣٣ عامًا) أول ميدالية ذهبية لمسافة ١٠ كيلومترات. يقول يوسف لحظة وصوله لخط النهاية: "سعيد جدًا بحصولي على المركز الأول في فئتي العمرية. أتيت من أبها لاستكشاف العلا التي أبهرتني بجمالها." 

Desert-Blaze-9 (1).jpg

رودانيز

وبينما كنا نستمتع بجمال الجبال المحيط وموسيقى الدي جي، كانت قد وصلت رودانيز، البالغة من العمر ٢٤ عامًا، لخط النهاية. حصلت رودانيز وصديقاتها القادمات من كينيا خصيصًا للمشاركة، على المراكز الثلاثة الأولى في فئتهم العمرية لمسافة ١٠ كيلومترات. التقيت بالصديقات الثلاثة بعد خروجهن من خيمة العناية الطبية للتأكد على صحتهن واستعادة نشاطهن. 

تقول رودانيز :"شاركت بعدة سباقات حول العالم منها مارثون الرياض ٢٠١٦، الطقس أفضل مما توقعته، هذه زيارتي الأولى للعلا، المكان مميز جداً، وسأكرر التجربة في العام القادم".

إعلان

 وعلى عكس صديقتها، ترى فيبيان (٢٩ عامًا) أن حرارة الشمس كانت أكبر تحدّي لها، لكن ذلك لم يمنعها من تحقيق المركز الثاني. وعن تحقيقها المركز الثالث تقول رابيكا (٢٤ عامًا) التي تزور السعودية للمرة الأولى: " شاركت في عدة سباقات حول العالم لم تكن ساخنة وجافة مثل العلا. تجربتي مختلفة بالتأكيد."

لم يكن الفوز الهدف الأساسي لبعض المتسابقين الذين اشتركوا لخوض التجربة واكتشاف جماليات المنطقة والوصول لخط النهاية، بغض النظر عن النتيجة. تقول ماليسا، ٣٨ عامًا، من زيمبابوي، والتي تقيم بالعلا منذ ٣ أشهر: "اشتركت في مسافة ٥ كيلومترات وكنت الخامسة في فئتي العمرية. أردت فقط إنهاء السباق دون أية إصابات." 

Desert Blaze-8.jpg

على اليسار ماليسا مع صديقاتها.

وفي حديثه عن مشاركتهم في فئة ١٠ كيلومترات، أخبرني رومان وزملاؤه من شركة "غلف روك" أن التحدي كان أسهل مما توقعوا. لكن الشمس كانت عدوتهم واستعدوا لها بشرب الكثير من الماء خلال السباق.

17_C8023_ALULA_DESERT_BLAZE_EVENT_OPENING_SI_A1.jpg

فريق غلف روك (رومان مع زملائه ).

يحدّثني العداء الكيني روبوت البالغ من العمر ٢٨ عامًا، الذي توّج بذهبية المركز الأول عن فئته العمرية لـ ٢١ كلم، عن تحضيراته المسبقة للسباق الذي انهاه في غضون ساعة وخمس دقائق: "أنا عدّاء لأكثر من عشر سنوات. حصدت المركز الثالث في مارثون السويد الشهر الماضي. أركض يوميًا لمسافة تصل إلى ٢٥ كلم، وكان ذلك كافية لتحقيق المركز الأول اليوم. لم تكن الشمس معضلة، لقد شاركت في سباقات في ظروف أكثر قسوة."

1_C8023_ALULA_DESERT_BLAZE_EVENT_OPENING_SI_A1 (1).jpg

العداء روبوت

"اشتركت لأنهم أخبروني سيكون لهيب العلا من أشد السباقات حرارة"، تقول العداءة الأردنية المقيمة في دبي فرح ماجد، ٢٥ عامًا، لحظة وصولها لخط النهاية لسباق ٢١ كيلو.

وتضيف: "لم أشعر بالمسافة، كنت مستمتعة بجمال طبيعة العلا وجبالها. الجو ألطف مما تخيلت، المهم أنه خال من الرطوبة. وطالما أجيد السيطرة بشرب الماء فالوضع تمام. تمرنت للسباق بشكل يومي في صحراء دبي، كنت مستعدة وانهيته بقوة. فزت بالمركز الأول عن فئتي العمرية، لم أتوقع النتيجة، متأكدة بأن جو العلا سهّل فوزي." 

إعلان
126_C8023_ALULA_DESERT_BLAZE_EVENT_OPENING_SI_A1.jpg

العداءة فرح ماجد

وفي سباق الـ ٢١ كيلومترا، فازت العداءة منال رستم، ٤٣ عامًا، بالمركز الأول عن فئتها العمرية، وهي أول مصرية تصل إلى قمة إيفرست.

تشاركني منال مشاعرها عن تلك اللحظة: "فخورة بازدهار السعودية وتوظيفها الرياضة لتعريف العالم عن ثقافتها وتاريخها العريق. تغمرني السعادة لمشاركتي بالنسخة الأولى من سباق لهيب العلا ورؤية التاريخ وهو يتشكّل. خططت جيدًا لهذه المسابقة، وتدربت جيدًا، واخترت ملابسي بعناية، وحملت ٢.٥ لتر من الماء. آمل أن تتمكن المزيد من النساء في فئتي العمرية من مواجهة الحرارة في العام القادم حتى لا أقف على المنصة وحيدة."

128_C8023_ALULA_DESERT_BLAZE_EVENT_OPENING_SI_A1.jpg

منال رستم

بعد مرور ٣ ساعات على انطلاق السباق وانتهاء الفئات الأخرى، بدأ ٢٨ متسابقًا في فئة الماراثون الكامل- ٤٢ كلم- بالتوافد إلى خط النهاية. 

بتعب وجهد شديد، أحرزت العداءة الألمانية سيمون، ٣٧ عامًا وتقيم بالإمارات، المركز الثاني في ٣ ساعات و٥٤ دقيقة. أخبرتني سيمون عن تجربتها الأولى في العلا: "كنت مستعدة لاختيار فئة ٢١ كلم، لكن عندما علمت بأن مسار الجري سيمّر في منطقة الحِجر لمرتّين، قررت اختيار ٤٢ كلم لرؤية كافة تضاريس ومعالم العلا. المشهد مدهش واستحق التعب والعناء بجدارة."

تركت سيمون لترتاح في خيمتها وذهبت للقاء العداءة العمانية سعاد النصيبية (٢٥ عامًا) بطلة سباقات الركض الجبلي في سلطنة عمان فور وصولها من المارثون الكامل.

تقول سعاد: "قررت المشاركة في آخر لحظة من إغلاق التسجيل وانطلقت للعلا. شاركت دون تجهيز وتمرين، وانبهرت بتحقيق المركز الرابع عن فئتي العمرية. السباق كان تحديًآ صعبًا لأنني معتادة على السباقات الجبلية، لكنها تجربة جديدة وممتعة. سأبدأ الآن معسكرً جديدً للمشاركة في سباق همم لـ ١٥٥ كلم في عمان ومن ثم تايلند."

إعلان
84_C8023_ALULA_DESERT_BLAZE_EVENT_OPENING_SI_A1.jpg

سعاد النصيبية

مع اختلاف أهداف المتسابقين، أختار محمد الدخيل (٤١ عامًا) وزوجته لجين الرفاعي (٣٨ عامًا) المشاركة رغبة بالتحدي واستكشاف قدراتهما البدنية. ويمارس الزوجان الرياضة منذ أكثر من ١٥ عامًا، وقد شاركا في سباقات الركض لأول مرة العام الماضي.

Desert Blaze-3 (1).jpg

لجين ومحمد

يقول محمد:" نحن في أحرّ شهر بالسنة، وأنا أبحث عن التحديات لاختبار قدراتي. اشتدّاد الحرارة مع زيادة المسافات كان تحديًا صعبًا، لكنّي تمرّت جيداً في جدة، المدينة السعودية الأكثر حرارة والرطوبة العالية. تدربت بالهواء الطلق ووضعت نفسي في ظروف صعبة لأتقلم. كانت العلا تتمتع بطاقة مميزة استطاعت إعادة تهيئي نفسيًا وجسديًا. ركضت وحيداً لمسافات طويلة وسط طبيعة تجعلك تقدر الحياة، وتعيش اللحظة وتدرك بأن أجمل الأشياء بالحياة هي التي تحيط بنا وتأتي دون تكلفة. لم يكن هدفي إنهاء السباق بقدر ما كان الاستمتاع بكل تفاصيل الرحلة. ركضت وأنا استمتع بالطبيعة المحيطة الخلابة وأراقب تغيرات جسدي. وانبسطت عندما عرفت بأني حصدت المركز الأول لفئتي العمرية في المارثون الكامل." 

أما لجين التي تعمل كمدربة رياضية منذ ٢٠١٢ لم تكن متحمسة ومستعدة للمشاركة بسبب الحرارة، واختارت أن تشارك بفئة ٥ كيلومترات لتعيش المغامرة وتشجّع زوجها. تقول لجين: "أكرة الركض في الجو الحار لذلك اخترت مسافة ٥ كيلومترات. بدأت أنا  ومحمد خط السباق سويًا ثم افترقنا، وهذه المرة الأولى التي أركض فيها دون زوجي وأصدقائي. التضاريس كانت جميلة جدًا، لكن الشعور بالجهد والجفاف كان مسيطر علي. ولم أكن أتوقع أي تصنيف، وكنت سعيدة بإنهاء السباق دون أي إصابات. انصدمت عندما ذاعوا اسمي لنيل ذهبية المركز الأول لفئتي العمرية."

كما يستعد الزوجان لمواصلة مسيرتهما بالركض في السباقات المقبلة، ويقول محمد: "هذا هو السباق الوحيد الذي أنهيه وحدي دون لجين بسبب الحر، لكننا سنفعل ذلك معا في طويق الأمل. سباق الجبال في نسخته الثانية في نوفمبر. سيكون الجو باردا، فلا توجد أعذار. سنشارك معا ونستمتع."

كانت السعودية قد أطلقت أول مارثون في مارس ٢٠٢٢، وسط اهتمام كبير بالفعاليات الرياضية لتعزيز رؤية الاتحاد السعودي للرياضة للجميع، الذي أسس عام ٢٠١٨ لدعم الحركة الرياضية في السعودية لبناء مجتمع صحي وحيوي. 

لعل أجمل ما يميّز سباق لهيب العلا هو اختيار منطقة العلا التي تسعى السعودية لاعتمادها كوجهة رياضية استثنائية متنوعة التجارب تحقق معايير التنمية المستدامة وتعزّز لمكانتها الثقافية والتاريخية.وفقد استضافت العلا بطولة كأس خادم الحرمين الشريفين الدولية للقدرة والتحمل، وكأس العلا للهجن، وتستعد لاستقبال العديد من الفعاليات كبطولة ريتشارد ميل العلا لبولو الصحراء، ومهرجان أزمث الموسيقي وغيرها.