صحة

الـ PrEP لا يغني عن الواقي الذكري ولا يحمي من الأمراض المنقولة جنسياً

تظهر الدراسات أن الأشخاص الذين يتناولون PrEP قد يبدأون في الانخراط في سلوك أكثر خطورة ويتوقفون عن استخدام الواقي الذكري وسبل الوقاية الأخرى
Pre-Exposure_Prophylaxis_(PrEP)_(32514377531)

بدأ وباء الإيدز رسميًا في 5 يونيو 1981، عندما أبلغت المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها في تقريرها الأسبوعي عن حدوث وفيات نتيجة لالتهاب رئوي غير عادي في خمسة رجال مثليين في لوس أنجلوس. على مدار الثمانية عشر شهرًا التالية، تم اكتشاف المزيد من الحالات بين مجموعات بين الرجال الأصحاء في جميع أنحاء البلاد. في يونيو 1982، اقترح تقرير درس مجموعة من الحالات بين الرجال المثليين في جنوب كاليفورنيا أن عاملًا معديًا ينتقل عن طريق الاتصال الجنسي قد يكون العامل المسبب للمرض. مما أدى إلى ربط المرض بالمثلية الجنسية عند الذكور. ولكن سرعان ما أدركت السلطات الصحية لاخقاً أن ما يقرب من نصف الأشخاص الذين تم تشخيصهم بالمتلازمة ليسوا من الرجال المثليين، مما دعا الباحثين إلى تسميته باسمه الحالي: متلازمة نقص المناعة المكتسب (الإيدز). 

إعلان

منذ بداية الوباء، أصيب ما يقدر بـ 75.7 مليون شخص بفيروس نقص المناعة البشرية وتوفي 32.7 مليون شخص. في عام 2019، توفي 690 ألف شخص بسبب أمراض مرتبطة بالإيدز. وقد انخفض هذا الرقم بنحو 40٪ منذ الذروة التي بلغت 1.7 مليون في عام 2004. تعيش الغالبية العظمى من المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، وحوالي 59 ٪ منهم يعيشون في إفريقيا، حيث لا يزال شرق وجنوب إفريقيا المنطقة الأكثر تضررًا من فيروس نقص المناعة البشرية في العالم. وتسعى منظمة الصحة العالمية للوصول إلى صفر حالات إصابة جديدة بفيروس نقص المناعة البشرية، وصفر وفيات بحلول عام 2030.

بعد سنوات من البحث العلمي والتطور الدوائي، تم طرح علاجات متطورة وفعالة للتعايش مع فيروس الـ HIV وأصبح بمقدور المصابين بالفيروس عيش حياتهم بشكل طبيعي، بل وأصبح الكثير من المتعايشين مع المرض غير ناقلين للعدوى عن طريق الاتصال الجنسي، بمعنى أنه حيث يمكن أن يكون الشخص مصاب بالفيروس لكن غير ناقل للعدوى.

الأشخاص المصابون بفيروس نقص المناعة البشرية والذين لديهم "حمولة فيروسية لا يمكن اكتشافها" أو ما يسمى undetectable viral load لا يمكن أن ينقلوا فيروس نقص المناعة البشرية عن طريق الجنس. ولكن كونك غير قابل لنقل العدوى لا يعني أن فيروس نقص المناعة لديك قد تم علاجه. لا يزال هناك فيروس نقص المناعة البشرية في جسمك، ولكن بكميات صغيرة جدًا. وهذا يعني أنه إذا توقفت عن تناول العلاج، فسوف يزداد الحمل الفيروسي - مما يؤثر على صحتك وقد يجعل فيروس نقص المناعة البشرية معدياً مرة أخرى.

إعلان

بالاضافة إلى أدوية التعايش مع فيروس نقص المناعة المكتسبة، هناك أيضا أدوية وقائية يمكن أخذها ما قبل التعرض للإصابة (العلاج الوقائي ما قبل التعرض Pre Exposure Prophylaxis PrEP) أو ما بعد التعرض للإصابة (العلاج الوقائي ما بعد التعرض Post-Exposure Prophylaxis PEP). 

PrEP أو الوقاية قبل التعرض هي حبة يومية يمكن أن تقلل من فرص إصابتك بفيروس نقص المناعة البشرية من الجنس. هذه الحبة مخصصة للأشخاص غير المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية، ولكنهم معرضين لخطر أكبر للإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية لعدة أسباب من بينها: وجود شريك جنسي مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية، عدم استخدام الواقي الذكري بانتظام، ممارسة الجنس الشرجي، الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات عن طريق الحقن.

تمت الموافقة على PrEP لأول مرة في عام 2012 ويبلغ معدل فعاليته حوالي 97٪ عند تناوله باستمرار وبشكل يومي. وفي حين أن هذه الحبوب تمنع انتقال فيروس نقص المناعة البشرية، لكنها لا تمنع الأمراض الأخرى المنقولة جنسيًا مثل السيلان والكلاميديا. في الواقع، تشير الدراسات إلى أن حبوب PrEP يمكن أن تؤدي أو تساهم في انتشار الأمراض المنقولة جنسياً، حيث وجد تقرير صدر عام 2018 في مجلة Clinical Infectious Diseases ارتفاع معدلات العدوى المنقولة جنسياً بين مستخدمي PrEP الذين يمارسون الجنس دون وقاية. وبحسب الأبحاث، فإن الأشخاص الذين يتناولون PrEP قد يبدأون في الانخراط في سلوك أكثر خطورة ويتوقفون عن استخدام الواقي الذكري وسبل الوقاية الأخرى.

يظل الواقي الذكري أكثر الطرق فعالية لوقف انتشار الأمراض المنقولة بالاتصال الجنسي

إعلان

في معظم البلدان العربية يمكن الحصول على PrEP من المراكز الصحية المتخصصة بمكافحة فيروس نقص المناعة المكتسبة، أو قد يتم وصفها لك من قبل طبيبك الخاص. كواكب، ثلاثينية أردنية، عاملة بالجنس منذ عشر سنوات، منذ بداية عملها بالجنس واجهت كواكب الكثير من المشاكل مع الزبائن فيما يخص ارتداء الواقي الذكري. 

وتقول لـ VICE عربية: "أغلب زبائني من الرجال يرفضون استعمال الواقي، بل أن بعضهم عنفوني لفظيًا عند طلبي منهم استعماله." تشير كواكب إلى أنها  كانت قلقة جداً على صحتها بسبب ذلك، وكان خوفها الأكبر هو إصابتها بفيروس نقص المناعة المكتسب، ولكن أحد الأصدقاء اقترح عليها الذهاب الى أحد المراكز التي تقدم خدمات المشورة والفحص الطوعي للحصول على PrEP.

"شعرت براحة كبيرة عندما بدأت بأخذ الدواء، على الأقل فيما يتعلق بخطر الإصابة بالإيدز،" تقول كواكب مشيرة إلى أن خوفها من الإصابة بفيروس نقص المناعة قد اختفى، إلا أنها واجهت مشكلة أخرى تتعلق بالأمراض المنقولة جنسياً. وتشير إلى أنها بعد أن بدأت بالالتزام بالدواء شعرت بالأمان والحماية، مما دفعها للعمل بدون حذر، "واعتمدت على الدواء وكأنه المخلص والحامي" وهذا ما تسبب بزيادة نسب إصابتها بالأمراض المنقولة جنسيًا مثل الزهري والكلاميديا.

 وتضيف: "بس بلشت بالبريب صارت مش فارقة معي كوني أصبحت محمية من الأيدز. لكن بالاخير صفيت بنصاب بأمراض جنسية أكتر. فعليًا غياب الكوندوم، وعدم وجود ثقافة الواقي الذكري عند الرجال في الأردن هو المشكلة الأساسية." 

لا تزال هناك فكرة عامة لدى كثير من الرجال بأن الواقي الذكري يقلل المتعة الجنسية، وهو أمر غير صحيح بتاتاً. الواقيات الذكرية تُعَد وسيلة فعالة جدًّا في الوقاية من فيروس نقص المناعة البشرية وتقلل خطر العَدوى بالأمراض المنقولة جنسيًّا الأخرى. وتشير التقديرات إلى أن الواقي الذكري فعال بنسبة 98٪ في الحماية من معظم الأمراض المنقولة بالاتصال الجنسي مثل الكلاميديا والسيلان، كما تقلل الواقيات الذكرية المصنوعة من اللاتكس أيضًا من خطر الإصابة بالأمراض الأخرى المنقولة جنسيًا مثل الهربس والزهري. الاستخدام المتكرر للواقي الذكري قد يقلل أيضًا من خطر الإصابة بعدوى فيروس الورم الحليمي البشري - وهو عامل الخطر لسرطان عنق الرحم.

إعلان

يجب التنبيه إلى وجود آثار جانبية لأخذ البريب لاحتمالية تأثير الدواء على وظائف الكبد

بشكل عام، توفر الواقيات الذكرية كميات متفاوتة من الحماية اعتمادًا على الأمراض المنقولة بالاتصال الجنسي، وذلك لأن هناك بعض الأمراض التي يمكن أن تنتشر من خلال ملامسة الجلد للجلد (مقابل انتقالها فقط عبر سوائل الجسم مثل السائل المنوي أو الدم)  وقد لا يغطي الواقي الذكري دائمًا جميع مناطق الجلد المحتمل الإصابة بها. ومع ذلك، يظل الواقي الذكري أكثر الطرق فعالية لوقف انتشار الأمراض المنقولة بالاتصال الجنسي، وبالإضافة إلى القيام بالفحص الروتيني للأمراض المنقولة بالاتصال الجنسي، لذلك في حال أصبت بالعدوى، يمكنك معرفة ذلك والحصول على العلاج دون تأخير.

فاروق (اسم مستعار)، ٢٨ عامًا، شاب لبناني، لديه تحفظات كثيرة حول الـ PrEP، فهو يعتقد أن التوعية بما يخص استخدام هذا الدواء محدودة جداً، وهذا ما ينعكس سلبياً على المستخدمين، حيث أن الكثير منهم يعتقد أن البريب هو الحل الأمثل للوقاية من جميع الأمراض المنقولة جنسيًا "بينما بالواقع هو مضاد فيروسي يحمي من الإصابة بفيروس نقص المناعة فقط،" كما يقول. ويضيف: "مع موضة حفلات الجنس الجماعي التي لا تخلو من المخدرات، الأمر الوحيد الذي قد يطمئن البعض هو استخدامهم للبريب. ذهبت إلى أكثر من حفلة وسمعت مثل تعليقات كثيرة حول أنه لا داعي للقلق، فنحن نأخذ بريب، وكأنهم محمين من كل الأمراض. فرصة الإصابة بأمراض منقولة جنسيًا بسبب الاتكال على البريب وسوء الفهم المنتشر حوله تتسبب بالكثير من نقل الأمراض، وهذا الأمر يستدعي القلق." 

يقول الدكتور براء جوريا، ٣٢ عامًا، طبيب عام، مقيم في مدينة ليواردن شمال هولندا، وعمل في مجال التثقيف الصحي بما يخص الصحة الإنجابية والوقاية من الإيدز في مؤسسة ميناروزا في القاهرة، أن البريب أحد أساليب الوقاية، لكنه بالتأكيد ليس الطريقة الرئيسية للوقاية طويلة المدى من الأمراض المنقولة جنسيًا.

إعلان

ويضيف: "البريب هو بلا شك عامل مساعد للوقاية من الأمراض المنقولة جنسياً بجانب استخدام الواقي الذكري. ولكن يجب التنبيه إلى وجود آثار جانبية لأخذ البريب لاحتمالية تأثير الدواء على وظائف الكبد. لهذا أنصح من يأخذ البريب بشكل منتظم بأن يقوم بفحوصات وظائف الكبد والكلى، لأن البريب يمكن يخفض من فعالية وظائف الكبد تبعاً لعدة دراسات." ويكمل: "بشكل عام، أنصح المرضى بأخذ مطعومات ضد فيروس التهاب الكبد الوبائي نوع ب Hepatitis B ومطعوم ضد فيروس الورم الحليمي Human Papillomavirus HPV، هذه المطعومات تقي من إصابات قد تكون لها عواقب أكثر خطورة من الإصابة بفيروس نقص المناعة."

الاتكالية التي يعيشها مستخدمو البريب يمكن تؤدي لتعرضهم للإصابة بعدوى أكثر خطورة من الإيدز نفسه

يشير الدكتور براء أنه لاحظ زيادة واضحة في الإصابات بالعدوات المنقولة جنسًيا الأخرى عند مستخدمي الـ PrEP ويرى أن هذه الزيادة سببها الاتكالية الكاملة على الدواء وتجاهل كل المخاطر الأخرى، "التوعية بخصوص استخدام البريب مهمة جدًا وضرورية لتقليل انتشار العدوى والأمراض المنقولة جنسًيا."

بينما لم يتم العثور على أي آثار جانبية خطيرة لاستخدام الـ PrEP، أظهرت دراستان رئيسيتان انخفاض طفيف في وظائف الكلى. في المتوسط، لوحظ انخفاض بنسبة 2.5٪ في وظائف الكلى خلال 18 شهرًا من استخدام البريب، بين المستخدمين الأكبر سنًا أو الذين لديهم خلل كلوي سابق. في حين أن الانخفاضات في وظائف الكلى طفيفة، يجب على الأشخاص الذين لديهم عوامل خطر مراقبة وظائف الكلى لديهم أثناء تناول الـ PrEP.

يرى الدكتور براء أنه من الأفضل كذلك استخدام البريب فقط في الفترات التي يمارس بها الشخص الجنس، حيث أن هناك بعض الأنواع الحديثة من هذا الدواء تبدأ فعاليتها بعد ساعات قليلة من الجرعة الأولى. ويقول: "بالتأكيد يفضل أخذ البريب بعد استشارة الطبيب وإجراء الفحوصات اللازمة. والأهم هو عدم الاعتماد على البريب كنوع حماية شامل. الاتكالية التي يعيشها مستخدمو البريب يمكن تؤدي لتعرضهم للإصابة بعدوى أكثر خطورة من الإيدز نفسه."

الـ PrEP هو أفضل وقاية من الإصابة بفيروس نقص المناعة، ولكنه ليس حلاً سحرياً. ربما أصبح فيروس نقص المناعة البشرية أقل رعبًا مما كان عليه من قبل - إلا أنه لا يزال مرضًا مزمنًا وربما يهدد الحياة. وعلى الرغم من أن مرض الزهري والسيلان والكلاميديا يمكن علاجهما بالأدوية، إلا أنه يمكن أن يصبح خطيراً للغاية إذا ترك دون علاج.

الأمر باختصار هو أنه حتى مع استخدام PrEP عليك موازنة المخاطر والفوائد. يوفر الدواء أمانًا إضافيًا من الإصابة بفيروس نقص المناعة البشرية، ولكنه قد يؤدي إلى المزيد من الأمراض المنقولة بالاتصال الجنسي. البريب يستخدم كوقاية، وهو لا يغني عن الواقي الذكري والاختبارات الروتينية للأمراض المنقولة جنسياً - ينصح بذلك كل ثلاثة أشهر- بالإضافة إلى ضرورة إخطار الشريك في حال اصابتك بأحد الأمراض المنقولة جنسيًا.

اختار فاروق اسم مستعار، لأسباب شخصية.