شباب عرب يتحدثون عن تجربتهم مع الوحدة

الوحدة

الوحدة هي العزلة والابتعاد عن الناس والانغماس في الحياة بطريقة خاصة، فأن تكون وحيدًا يعني أن تقضي أغلب وقتك مع أفكارك وتساؤلاتك وآلامك كذلك، ولكن مهما اختلفت أشكال الوحدة ومهما تعددت آلامها تتعدد أسبابها، فغالبًا ما تُفرض الوحدة على المرء ويبدأ في الاعتياد أو الانسحاب، سواء كانت وحدة أصدقاء أو وحدة أهل أو حتى وحدة نفسية أو وحدة بين البشر وهي الأكثر إيلامًا. تحدثنا مع شباب عرب يشعرون بالوحدة لنتعرف عن قرب على تجاربهم، كيف يشعرون، وهل هذا وضع يمكن الاعتياد عليه أم لا.

لو عدت للوحدة اعتقد أنها ستتحول إلى اكتئاب عميق

“دخلت حالة الوحدة بعد اضطراري للخروج من سوريا قبل عامين بسبب ظروف الحرب. حالة الوحدة التي أصابتني تعود لأنني لم استطيع الاستمرار بعملي الإنساني الذي كنت أمارسه في مدينتي وعملي مع زملائي لإكمال أهداف ثورتنا التي نؤمن بها، بعد خروجي أصابني الإحباط والشعور العميق بالفشل والتخلي عن الناس الذين آمنوا بقدرتنا على تغيير الواقع السيء الذي كنا نعيشه. لم اتعايش مع الوحدة، لكن حاولت بكل الطرق مكافحة أسبابها عن طريق عملي في مساندة الناس الموجودة في الداخل والمخيمات خاصة وتسليط الضوء على معاناتهم وكلما استطعنا إنجاز شيء لهم كنت أشعر بأني انتصرت عليها ولو كان شعور مؤقت وفي اليوم التالي تعود الوحدة لتُخيم فوق قلبي.

Videos by VICE

الوحدة بالنسبة لي هي أن يصبح الإنسان عاجز عن العطاء والعمل والدفاع عن قضيته، ولهذا كنت أشعر بالوحدة، ولكن خرجت منها بمساندة أصدقائي ومحاولتي لإيجاد طرق ووسائل جديدة للعمل عن بعد وعدم الاستسلام لها، ولكن من الممكن أن تعود لي في أي وقت خاصة أن وضعنا في سوريا، مع استمرار الموت والسقوط، سيبقى غيابها ووجودها نسبي. لو عادت الوحدة أرى أنها ستتحول إلى اكتئاب عميق ومن المحتمل فقدان السيطرة عليها كحالة مرضية وهذا ما أخشاه، وأذكر في وحدتي أنه قد ساعدني أصدقائي وأهلي كثيرًا بالوقوف بجانبي ومحاولة إخراجي من المنزل باستمرار والتحدث معي باستمرار”. –فلك فراج، 29 عامًا ، سوريا

أصبحت وحيدة لدرجة أن وجود قطة يشعرني بالونس

عشت في حياتي نوعين من الوحدة، وحدة معنوية وأنا بين أهلي، ووحدة مادية وهي التي أعيشها حاليًا. منذ صغري وأنا أشعر بالوحدة بالرغم من أن عدد أخواتي كبير، فنحن خمسة أخوة، إلا أنني شعرت بالوحدة وأنا معهم ؛ لأني كنت دائمًا مختلفة عنهم، لدي ثقافة مختلفة ومستوى فكري آخر، لهذا كان بيننا عائق وهو أننا لا نجد بيننا أي روابط مشتركة، فلا أحد يفهم ما أفعله منهم، ولا نجد حديثًا واحدًا يلاقي اهتمامنا جميعًا، وقد حاولت أن أتدرج لمستواهم الفكري لكي أندمج معهم وأتلاشى شعوري بالوحدة وأنا معهم، وفشلت في ذلك. حديثهم دائمًا ما يقتصر على مواضيع سطحية وتافهة لا أهتم بها، وأدى ذلك إلى قلة التواصل بيننا.

أخوتي متزوجون الآن وأنا عزباء ووحيدة، وفقدنا التواصل المستمر منذ زمن، وبما أني أعيش تقريبًا بمفردي الآن أدى ذلك لأن أعيش وحدة مادية ومعنوية، لا يوجد معي أي أحد، أصبحت وحيدة لدرجة أن وجود قطة يشعرني بالونس، بشكل عام الوحدة شيء سيء ولكنها منقذ من أهوال العالم السخيف، وقد أعتدت عليها ولا أظنني سأخرج منها يومًا، ولو خرجت سأتعرض لأذى أكبر لأني أشعر بأنه لن يفهمني أحد. حين أكون وحيدة أقضي حياتي بطريقتي، حتى لا يضطرني القطيع إلى أن أكون مثلهم، لأني أحب الاستقلال في التفكير وعدم التحكم في قراراتي، وأذكر أنه لم يخفف أحد من معاناتي أثناء وحدتي فأنا لا أطيق وجود شخص بجانبي وأنا وحيدة”. لمياء سامي، 31 عامًا، المغرب

أنا وحيد ولكن الوحدة لا تمثل لي أية مشكلة

أشعر بالوحدة لأني أشعر أن لا أحد من المحيطين بي يفهمني، وليس لدينا اهتمامات مشتركة، ولهذا فأنا مختلف عمن حولي، ولكن لا تمثل لي الوحدة أية مشكلة، فأنا أفضل الابتعاد عن كل ما يزعجني ويثقل تفكيري، لدي صديق واحد فقط وأنا مكتفي بمعرفته؛ حيث كلما جلست مع أحد أشعر أن أحاديثه سخيفة ولا اهتم بها. أرغب في الصفاء الذهني والهدوء، لذلك أريح رأسي بالابتعاد والأنزواء، كما أن الغالبية لا يحبون شخصًا صريحًا مثلي، يرغبون في من يجاملهم دائمًا ولست أنا ذلك الشخص، لهذا فمن المستحيل أن يحبوني، من الممكن أن أتشارك مع الناس ويكون لي أصدقاء إن قبلوني كما أنا دون أن أضطر لأن أفكر بكل كلمة قبل أن أنطق بها معهم لأن ذلك يرهقني. كثرة الناس حولي تجعلني شخص آخر غير الذي أريد أن أكونه، لهذا أبقى وحيدًا دون أن أشعر بأية مشكلة، ولكن في الجهة الأخرى أجد أن لي سند آخر وهي الأسرة، التي لا ينطبق عليها كل ذلك لأنني تربيت معها من الصغر وهم يتقبلوني بكل عيوبي فلا أضطر أن أكون شخصًا آخر وأنا معهم”. عزيز العباس، 24 عامًا، العراق

وأنا وحيدة، فقط أنتظر دوري في الخروج من هذا العالم

“لا أعلم لماذا دخلت في الوحدة، هي حالة لم تحدث فجأة بل جائت تدريجيًا، ولم أدرك مقدار بعدي عن الآخرين إلى أن وصلت إلى مرحلة الضيق حتى من نفسي، حيث أصبحت مجبرة على التعايش مع وحدتي، أصبحت أكتب كل أحاديثي بيني وبين نفسي، تارة نتصالح ومره نتشاجر وأخرى نكتفي بالصمت. وأنا وحيدة يضيق بي الكون على اتساعه، فأرى نفسي غريبة حتى مع أقرب الناس مني ولا أجد من أشاركه أخباري الجميلة وإنجازاتي، فما بالك بالحزن والإخفاق!.. لقد أصبحت الوحدة جزء من هويتي ومعها لا أتطلع إلى حياة أفضل، فقط أنتظر دوري في الخروج من هذا العالم الفظيع. ولا أنكر أنه كانت هناك بعض المحاولات ممن حولي لمساعدتي على الخروج من هذه الحالة؛ لكن جميعها لم تجدي نفعًا، ربما لأنها لم تكن محاولات جادة أو لأنني لا أرغب في الخروج من عزلتي، ولكني أعتدت وضعي ولا أنتظر شيئًا من أحد”. آية أحمد، 28 عامًا، السعودية

اتمنى وجود أي صوت معي حتى لو “كلب ينبح”

“أنا مهندس كمبيوتر، حياتي المهنية تعتمد على شكل من أشكال الوحدة وعدم التعامل مع الآخرين حتى أنجز مهامي. تغيرت حياتي بعدما انفصلت عن زوجتي وفضلت أن أكون وحيًدا؛ لم ينفع أن أعيش مع أهلي مرة أخرى. معايشة الوحدة أمر صعب جدًا، بل هو حزين حتى الألم، مثلًا الإفطار في رمضان لشخص وحيد مثلي أمر لا يحتمل، فأحيانًا لا أهتم بتناول الطعام وأذهب للنوم، أجد نفسي في فراغ مخيف وأتمنى وجود أي صوت معي حتى لو كان صوت كلب ينبح من بعيد. بدأت تأقلمي مع الوحدة بالتحدث مع أصحابي وكنت أطلب منهم مقابلتي، كنت أقابلهم 6 مرات يوميًا ولما ازداد ضغط العمل ابتعدت قليلًا، واستمر الوضع كذلك بعدها. في بعض الأحيان أخرج في الساعة الثالثة مساءًا لأتنزه مع نفسي من حين لآخر حين لا أجد ما أفعله. حاولت أن أخرج مرارًا من الوحدة، لكن طبيعتي نفسها تغيرت، أصبحت أمقت الوحدة ومعتادًا عليها في الوقت نفسه، فلا أستطيع أن أجلس مع شخص لأكثر من ساعة مهما كان، يصيبني ذلك بالصداع، ، كما حاول عدد من أصدقائي مساعدتي بزيارتي اليومية حسب تفرغهم، بجانب الموسيقى التي قدمت لي بعض الدعم النفسي، لكن بشكل عام أعتقد أن حياتي ستظل هكذا دون أفق أو تغيير. أحمد حسين، 35 عامًا، مصر

تم تغيير بعض الأسماء بناءًا على طلب أصحابها