في ليلة ٢٥ من أغسطس في بيروت، وصلتنا رسالة “بار أوم يتعرض لهجوم من قبل “جنود الرب”، والأشخاص محاصرين في الداخل، إلى جانب فيديوهات تظهر رجال يصرخون بغضب: “هيدا محل إبليس عم يروج للمثليين. بأرض الرب ممنوعة.”
ولعل هذا هو أكثر الأخبار التي ترسل لنا الذعر والقلق والخوف، مع الحملات الأخيرة التي شهدها لبنان ضد مجتمع المثليين، من عدة أطراف منها حزب الله واليمين المسيحي ووزير الثقافة وحتى وزير التعليم، وغيرهم من الأشخاص على السوشيال ميديا الذين أعمتهم الهوموفوبيا. في لحظتها هرعنا إلى بار أوم، لنجد شرطة تقف جانبًا، وعاملين قلقين يحاولون ألّا ينهاروا من صدمة الواقعة. غادرنا ونحن نشعر بالذنب لعدم مجيئنا في وقت مبكر، ولكننا أيضًا شعرنا بالفخر بشجاعة الأفراد الذين واجهوا وحشية “الجنود” مسلحين.
Videos by VICE
تعرض عرض دراغ أو عرض جرّ في مار مخايل في بيروت لهجوم مسلّح من قبل جماعة دينية مسيحية متطرفة تدعى “جنود الرب”، يُقال إنّها ممولة من المصرفي أنطون الصحناوي، صاحب مصرف SGBL.
وبحسب مقدمات العرض أو الدراغ كوينز “لطيزا بومبي” و”إيما غرايشين“، واللتين قدمتا عرضهما قبل دقائق قليلة من وصول المسلحين، قام أحد الرجال بتصوير شابين خارج البار وتهديدهما. ومع خروج إدارة “بار أوم” لتهدئة الوضع، هدد الرجل الذي تبين أنه ينتمي لمجموعة “جنود الرب” بأن يجلب المزيد من الرجال.
تخبرنا لطيزا بومبي: “كل شيء حدث في دقائق قليلة. كنت على المسرح، واضطررت أن أنهي العرض وأسأل الناس ألا يهلعوا وأشرح أنه علينا أن ننهي العرض لسلامتهم/ن. وفجأة أتى الكثير من الرجال المسلحين وبدأوا بالتهديد والكسر والضرب. كنت حينها قد نزلت عن المسرح وذهبت إلى الخارج حيث توجد غرفة صغيرة بالعادة نغيّر بها ملابسنا، تغطيها ستارة سوداء. كانوا رجال “جنود الرب” يضربون أشخاص هلعوا إلى الخارج، بينما أقفلت إدارة المكان الباب على المتبقين في الداخل. تعرض الكثير للضرب وكانت حالتهم سيئة، اضطر البعض منهم الذهاب إلى المستشفى، والبعض الآخر أتى إلى شقتي. أمّا أنا و”إيما غريشن”، ففي هذه الأثناء، جلسنا في هذه الغرفة الخارجية على “تيراس” المكان، تفصلنا قطعة من القماش عن “جنود الرب”. بدأنا أنا و”إيما غريشن” ننزع المكياج بماء وصابون، وبدأ بعض الأشخاص يعطونا ملابس لأنّنا كنّا نرتدي ملابس الدراغ مع الكعب والمكياج.”
تكمل “إيما غريشن” التي اختبأت مع “لطيزا بومبي” في الغرفة الخارجية: “اضطررت أن أمثل وكأنني ميتة، لم نحرك عضلة خوفًا من أن يجدونا لـ٥٠ دقيقة ومع هذا كنّا مضطرات أن نغيّر ملابسنا ونزيل المكياج. “
بحسب الشهادتين، اضطرت “إيما غريشن”، التي بدأت فن الجر في ٢٠١٤، قبل هذا بدقائق قليلة أن تقدّم رسالة اعتذار للحاضرين والتأكيد أنهم مستمرين في ظل ما يجري، لكن سلامة الناس أهم وطلبت الفنانتان من الحاضرين ألا يخافوا. وكان من المقرر إقامة ٦ عروض، ولكن لم يتم تقديم إلا سوى عرضين فقط بسبب الهجوم. وأكدت “إيما غريشن” أنهم كانوا يعلمون قبل الحفل أن الوضع لم يكن في أفضل حالاته مع الحملة الأخيرة ضد مجتمع المثليين في لبنان، ولهذا السبب اختاروا عدم الإعلان عن الحفل واتخاذ الاحتياطات اللازمة من أجل سلامة الحاضرين. ومع ذلك، تمكن “جنود الرب” من خلق مشكلة في الخارج.
بحسب “إيما غريشن”، رحل “جنود الرب” مع قدوم الشرطة، ورغم أن المجموعة كانت مسلحة وضربوا عددًا من الحاضرين. ولم تحقق الشرطة فيما حدث، بل اكتفت بسؤال المنظمين عما دفع أو استفز “جنود الرب” لشن الهجوم، مما يوفر حصانة إضافية للمجموعة للتلاعب بما حدث وإلقاء اللوم على المنظمين بدلًا من التحقيق مع المجموعة أو حتى اعتقاله أو حتى مهاجمته. وقال العديد من الحاضرين أن الشرطة كانت تقف و”تتفرج” على ما يجري، ولم يفعلوا شيء حيال الأمر رغم أنّ الجماعة كانت تحمل سلاح وتضرب وتكسّر، وكانت هناك إصابات واضحة.
الخوف هنا كبير وحملة الكراهية منظمة!
في الآونة الأخيرة، تعرض مجتمع المثليين في لبنان لحملة منظمة وممنهجة من العنف الفعلي، الذي تجاوز حدود خطاب التخويف والتهديد. تقول “إيما غريشن”: “أن هذا العنف بدأ من فترة وواجه نساء ترانس على الشارع وفي منازلهن، حيث تعرضن للقتل والضرب. لكن قصّتهنّ لم تكن منتشرة على نطاق واسع.”
وتضمنت الحملة خطابات كراهية من أمين عام حزب الله حسن نصرالله وصلت حد التهديد بالقتل، وقرارات غريبة مثل طلب وزير الثقافة محاربة “الشذوذ” من خلال منع فيلم باربي، وطلب وزير التربية إزالة لعبة “سلّم والحية” من المناهج لأنها تحتوي على قوس قزح.
نحن أمام حرب على مجتمع الميم-عين بحجة حماية العائلة وتنفيذ أوامر الله، وللأسف وصلت هذه الحملة حد الهجوم على عرض فني هدفه نشر السعادة لا أكثر. هذه ليست المرة الأولى التي تتهجم جماعة “جنود الرب”، والتي نشأت في عام ٢٠٢٠ لحماية المجتمع المسيحي، على مجتمع الميم-عين. في ٢٠٢٢، قامت الجماعة بإزالة باقة ورود بألوان قوس القزح من الأشرفية في بيروت وتدميرها مع إرسال ترهيبات لمجتمع الميم عين والتهديد بالقتل.
اليوم، لم يعد من الممكن التساؤل عن كيفية تحقيق الأمان لمجتمع الميم-عين في لبنان. فالواقع واضح: هناك حملة عنف منظمة ومستهدفة ضدهم، ولا يمكنهم الهروب منها. تتفق “إيما غريشن” و”لطيزا بومبي” على فكرة أن السلطة تلهي شعبها بالمهمشين: “في البداية، لاحقت (السلطة) اللاجئين والآن تلاحق مجتمع الميم -عين.”
بينما يعاني لبنان من انهيار اقتصادي ومشاكل في البنية التحتية، يواجه مجتمع الميم-عين هذه المشاكل بنفس القدر، بل إنهم يتحملون العبء الإضافي المتمثل في العنف والكراهية.
تقول إيما غريشن: “أشعر أننا نجرّد من إنسانيتنا وكأننا فضائيين رغم أننا هنا. نحن لم نترك عائلتنا، لم نترك بلدنا، نحن نتعرض لهجوم منظم لم تشهده أي مجموعة أخرى. ينسى الناس أن الكراهية مصدّرة أيضاً من الغرب، يتهموننا أنّنا أفكارنا مصدّرة من الغرب. لكن قانون ٥٣٤ هو قانون فرنسي وكانوا الكويريين/ات من قبل موجودون وكبتهم الإستعمار. “
ما الخطوة التالية؟
العنف الآن بات واضحًا، ويقول الكثيرون أنه لو لم تقفل الإدارة المكان وتبقي الناس في الداخل لدخلوا “جنود الرب” وقتلوهم. وهذا قلق جديد، بالأخص مع تكتف الشرطة وعدم ظهور أي توضيح أمني أو أي تعليق من وزير الداخلية. حتى أن أنطون الصحناوي، المتهم بتمويل هذه المجموعة، لم يرد حتى الآن على ما جرى. وهذا يترك شريحة كبيرة من اللبنانيين من مجتمع الميم-عين دون حماية، ويزيد من خوفهم وقلقهم.
وبحسب “لطيزا بومبي”: “كل هذا يأتي من تعصب وجهل وقلة فهم وعدم تقبل. نحن لا نؤذي أحد. إن كان الله يطلب منهم أن يضربونا ويهددونا، فنحن لنا رب مختلف. نحن هنا، لم يتمكن يومًا أحدًا من أن يحمينا. علينا أن نكون أذكياء الآن، نحن سنحارب، ولن نتوقف، وسنتكلم لأنّنا نستحق أن نكون بأمان. سلاحنا هو الفن والترفيه والحب، نحن لا نؤذي. اليوم علينا أن نكون سويًا، لا يمكننا أن نخسر المزيد من الأشخاص ولهذا علينا أن نتصرف بذكاء. نحن نؤمن بلبنان ولهذا لم نغادره ونقدّم فننا به. نحن كوير عرب وسنجد دائماً أماكننا الآمنة ونحارب لأجلها. سوف يتقبلونا، سنبقى هنا وسيبقى فن الجر مهربي وليس شيء أهرب منه. أطلب من جميع المؤيدين لنا أن يتكلموا وأن يساندونا لأننا بحاجة لهذا الدعم. لن يمحونا.”
وتضيف “إيما غريشن”: “لا بد من أن يتم التحقيق بهذه الجماعة أولاً وبمن يرأسها ويدعمها، فالحصانة مخيفة خاصة أن الشرطة سألت عنا لا عنهم. أطلب من كل من في مجتمع الميم-عين أن يكون داعمًا لغيره، وألّا يخرج أي شخص كويري وحده في هذه الظروف. نحن بحاجة لدعم، وأن نتكلم وأن نخبر قصص بعضنا. هناك من يعاني بصمت. نحن هنا لكم/ن. لن يمحونا ولن يسكتونا، نحن ننشر الحب والسلام ولا ننشر الشيطنة والتفكك والتحريض. أنا اليوم سأوصل الرسالة، ولن أسكت وهذه القصة سأخبرها كلما تمكنت.”
كل الحب والدعم لمن ساندونا
ينتهي يومنا هذا بالكثير من الحب والدعم على السوشيال ميديا، حيث عبّر الكثير أنه وصلته رسالة اطمئنان حتى ولو لم يكن في العرض. وهذا لأن الحدث يجلب الخوف والقلق إلى الجميع، وهناك حاجة للقليل من الإطمئنان في هذه الأوضاع. ما زال “بار أوم” مفتوح. وهنا علينا أن نذكر أنّ “بار أوم” كان يُدعى من قبل “مدام أوم” وللأسف دمر بالكامل في إنفجار بيروت عام ٢٠٢٠ ليفتح أبوابه لاحقاً في مكان مختلف. وكان من الصعب أن تفتتح البارات والمقاهي والمطاعم المدمرة مرة أخرى بعد الإنفجار بسبب الأزمة الإقتصادية الصعبة.
وأخيرًا، هجمات كهذه تعرض الأشخاص لا لخطر القتل والعنف فقط، بل أيضًا للفضيحة أمام العائلة والشرطة، وخطر خسارة وظيفة. لا يمكن اليوم سوى الإشادة بشجاعة من مروا بليلة عنيفة كليلة الأربعاء، ولا يمكن أن نعبّر سوى عن قلقنا، فلا نعلم إلى أين متجهين. يبقى هناك أمر يمكننا أن نفعله، وهو نشر الدعم وأن نحاول أن نبقى سالمين وسلميين مع مجموعات هدفها نشر الكراهية والعنف. الأماكن الآمنة في بيروت كثيرة، لكن اليوم هذه الأماكن الآمنة تتعرض للخطر وحتى لو كانت “أندر غراوند” وهذا بسبب التضييق والحملات المنظمة على مجتمع الميم-عين. كانت ليلة مليئة بالرعب والخوف في بيروت لكن أتى معها دعم كبير يذكرنا أنه بالفعل لا يمكن أن يُمحى مجتمع الميم-عين.