عقبالك، عقبال العايزين، عقبال ما نشوف ولادك..” جمل تتردد في جميع الأفراح والأعراس على مسامع الشباب، نتفاداها بابتسامة خفيفة وإيماءة. هذه هي “سنة الحياة” بالنسبة لآبائنا ومجتمعاتنا؛ فور ما نكمل دراستنا الجامعية وأحياناً قبلها، نصبح مقبلين تلقائياً على الخطوة التالية: الزواج. ومن بعد الزواج، تتربص أعين الجميع منتظرين زف الخبر السعيد والإعلان عن قدوم أول مولود إلى العائلة.
فكرة (أو غريزة) الإنجاب متأصلة في أذهان البشر منذ القدم وفي جميع الكائنات الحية كوسيلة للبقاء والانفلات من براثن الانقراض، ولكن بعد وصول التعداد البشري على كوكب الأرض إلى ما يقارب الثمانية مليارات، تغيرت أسباب الإنجاب من أسباب غريزية إلى أسباب وضغوطات اجتماعية.
Videos by VICE
مؤخراً، بدأت ألاحظ في جيلي (جيل الزد Gen Z) وحتى جيل الألفية الذي سبقه، أن نظرتنا إلى موضوع الإنجاب تختلف كثيراً عن تلك التي يؤمن بها آباؤنا وأجدادنا وأننا لا نراه كهدف أساسي في حياتنا أو إحدى طموحاتنا بل حتى أنه قد يعيق مسار حياتنا ونجاحتنا الشخصية.
اللإنجابية كفلسفة ليست جديدة، وقد كتب عنها الكثير من العلماء والفلاسفة وحتى الشعراء مثل أبو العلاء المعري الذي أوصى قبل وفاته بأن يُكتب على قبره هذا البيت: هذا جَنَاهُ أَبي عَلَيَّ وما جَنَيْتُ عَلَى أَحَدْ. كان لأبو العلاء نظرة تشاؤمية وعدمية تجاه الحياة، وسبب هذا التشاؤم بالمقام الأول فقدان بصره وموت والديه وفقره الشديد، فرأى أن مجيئه إلى هذا العالم جناية عليه.
رؤية أبو العلاء العدمية أعادت تجديد نفسها في مجموعات عديدة ضد الإنجاب على مواقع التواصل الاجتماعي مثل “لا إنجابييون مغاربة” و”جزائريون لا إنجابيون” و”لا إنجابيون Antinatalism ضد التناسل، ضد الإنجاب، ضد التكاثر” التي يزيد عدد أعضائها عن 37 ألف شخص” تحت شعار “فُرضت علينا الحياة، ولن نفرضها على أحدٍ” وحتى باتت هذه الفلسفة موضوعاً لمدونات صوتية عربية.
بالنسبة للبعض، إنجاب الأطفال غير أخلاقي لأنه سيعرضهم حتماً لاحتمالات لانهائية من المعاناة. بالنسبة لآخرين، الأمر مرتبط بالكثافة السكانية وحماية البيئة والقلق بشأن “رفاهية الأطفال الحاليين أو المتوقعين في عالم متغير مناخيًا.” وهناك الوضع الاقتصادي والسياسي العام، الذي يجعل مجرد التفكير بإنجاب طفل لهذا العالم قراراً ظالماً.
لقد انقلبت حياة جيلي رأساً على عقب عدة مرات في مراحل طفولتهم ومراهقتهم، قد تستيقظ يوماً وتجد أن منزلك قد دمرته قذيفة هاون، قد تضيّع سنين شبابك في المنزل بعيداً عن جامعتك أو وظيفتك بسبب وباء لم يكن على البال ولا على الخاطر. كنتيجة لذلك، فقدنا ثقتنا بالمستقبل وبما يحمله الغد لأنه غير مضمون أبداً وكل مخططاتنا (غالباً) ستبوء بالفشل. نحن جيل غير مستقر مادياً أو جغرافياً؛ مع عدم الاستقرار هذا كله، كيف يمكننا إتخاذ قرار إنجاب كائن إلى هذا العالم بكل ثقة ومستقبلنا ومستقبل العالم غير واضح؟ هذا عدا عن المشاكل البيئية التي يعاني منها كوكب الأرض من احتباس حراري وتلوث يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، إلى جرائم القتل والاغتصاب والقمع السياسي والاجتماعي. لا أقصد أن أكون سوداوياً، ولكن إن توقفت عن قراءة هذه المقالة وتوجهت لقراءة عناوين الأخبار، قد تشاركني نفس الشعور.
هل الوضع العالمي الحالي (المنهار) أثر على رغبتنا بالإنجاب كشبّان وشابات عرب؟ توجهت إلى صفحتي الخاصة على انستغرام وسألت ما يقارب المئة شاب وشابة عرب في استبيان قصير إذا كانوا يرغبون بالإنجاب يوماً ما.
مشاكل الأهل النفسية تصبح مشاكل أبنائهم
“مع أنني أحب الأطفال كثيراً وعملت كجليسة أطفال لما يقارب ثلاث أعوام إلا أنني لا أستطيع أن أتقبل فكرة الإنجاب ولا أظنها عادلة. في صغري، كنت شديدة التأثر والتعلق بأهلي، وعندما كبرت اكتشفت كيف أنهم قاموا بصبّ جميع مشاكلهم النفسية عَلي. لا أريد لذلك أن يحصل مع ابني أو ابنتي بالأخص أنني على دراية بأنني أعاني من عدة مشاكل نفسية منها آثار الصدمة بسبب الحرب في سورية والتحرش الجنسي والتنمر الذي تعرضت له. لا يستطيع عقلي أن يستوعب أني سوف أصب كل ما أحمله من مشاكل في هذا الكائن الجديد وأن أعذّبه معي. ربما إذا استقريت وزوجي في بلد صالح للعيش، عندها يمكننا أن نفكر بالموضوع. وإلى ذاك الحين، قد أغير رأيي وقد يغير رأيه.” –أليسار، 24 عاماً – سوريا
احتباس حراري وتضخم اقتصادي
“الوضع الاقتصادي والبيئي وكل ما يحصل الآن في العالم لا يقدم بيئة حاضنة للأطفال أو لمزيد من البشر. أرى الإنجاب كشيء أناني لأنك ستنجب أطفالاً لتحقيق رغبة ذاتية. لم قد ترغب بجلب أشخاص إلى هذا العالم وأنت على دراية أنهم سيعيشون حياة مزرية بسبب الاحتباس الحراري؟ هذه هي الحقيقة، الأرض تحترق. الوضع الاقتصادي سبب آخر لعدم التفكير بالإنجاب، من غير المنطقي أن تنجب أولاداً في بيئة اقتصادية منهارة دون أن تفكر بمعايير الحياة التي يمكنك أن تقدمها لأطفالك. إن كانت كل المؤشرات تشير إلى أن معاناة طفلك القادم ستكون أكبر من سعادته وراحته، لم تريد أن تنجبه؟” -كريستينا، 22 عاماً- لبنان
موضوع الإنجاب مؤجل
“موقفي الحالي هو لاإنجابي. إن لم أكن قد حللت على الأقل 80% من مشاكلي النفسية العالقة فلن أمضي قدماً في خطوة الإنجاب. قد أنتظر حتى عمر الـ35 أو 40 للتفكير بالإنجاب أو قد أتبنى. العالم أصلاً حاجة تسد النفس.” -ابراهيم، 22 عاماً -مصر
لم يكن الأطفال يوماً جزءاً من مخططاتي
“في المغرب إن كنت لم يكن وضعك المادي يسمح بأن تنجب طفلاً، يقولون لك الولد يأتي وتأتي رزقته معه. أما أن لا يأتي الولد فهذا ليس خياراً أصلاً. عندما أقول للناس أنني لاإنجابية يتعاملون مع الموضوع وكأنه فضيحة ويقولون لي أني سأرغب في الإنجاب بعد الزواج، يعتبرون الإنجاب وسيلة لصيد الزوج وحبسه أو وسيلة للترفيه عن حياة المتزوجين خوفاً من الملل والروتين. لا أحد يأخذ قرار الإنجاب على محمل الجد، أشعر أحياناً أن قرار الإنجاب لا يختلف عن قرار شراء منزل أو سيارة، في الواقع قد يتم التفكير بشراء منزل أو سيارة بشكل أكثر جدية. مع كامل احترامي، لكن هناك الكثير من الآباء الذين لا يصلحون للأبوّة. بالنسبة لي، لم يكن الأطفال يوماً جزءاً من مخططاتي أو تخيلاتي عن مستقبلي. لا يمكن أن يكونوا جزءاً من المعادلة.” –هبة، 22 عاماً – المغرب
ما بينَ بينْ
“أعاني من صراع داخلي. من جهة أظن أنه من الأنانية أن أنجب طفلاً في هذه الحياة الصعبة وخاصة على الفتيات، ومن جهة ثانية أرغب بإنجاب طفل وأن أراه وهو يكبر، وأحرص على تربيته أحسن تربية. أظن أن الجميع يعتقدون أنهم ابنهم سيكون المخلّص (Messiah). لا أعلم ماذا أفعل، هل أستسلم لرغباتي؟ هل أقوم بالأمر بالصائب ولا أنجب لأن الحياة كلها تراجيديا؟ هناك بعض الضغوطات الاجتماعية، لكن ليس لدرجة تؤثر على قراري، لكن لا أريد أن أكسر قلب أمي التي تتمنى أن ترى أحفادها مني. من الممكن أن يؤثر هذا الموضوع على علاقاتي العاطفية مستقبلاً، ولكن من المستحيل أن أفرض وجهة نظري على أي أحد. ما زلت ما بين بين، ولم أتخذ قراراً نهائياً بعد.” -عبدالله، 26 عاماً – فلسطين
فكرة التبني منطقية أكثر
“كنا نتحدث أنا وأمي مؤخراً وأخبرتها بأني لا أريد أطفالاً وظنت أن رأيي محض جنون. أسبابي الشخصية لعدم الإنجاب متأثرة جداً بهويتي اليمنية، ولأنني اضطررت لترك بلدي. قد أفكر بالموضوع بشكل جدي أكثر عندما أستقر في بلدٍ ما وأحصل على جواز سفر أجنبي ومعالج نفسي كي لا ألقي بكل مشاكلي على أطفالي. بشكل عام، أجد فكرة التبني منطقية أكثر بكثير من الإنجاب.” -ربى، 23 عاماً- اليمن
لا أريد أن أعيد أخطاء أهلي
“تزوجت مؤخراً ولم أتعرض لأي نوع من الضغوط للإنجاب حتى الآن، ولكن أنا على يقين أنني سأعيشها في وقت من الأوقات. أنا ضد الإنجاب لأن أمي وأبي يذكّرانني باستمرار بكل التضحيات التي قاموا بها لأجلي، وأشعر أحياناً بأنني سبب تعاستهم وأن علي أن أقوم بالكثير لتعويضهم عن تعبهم، وهذا يسبب لي الكثير من القلق والشعور بالذنب. لا أريد أن أعيد الأخطاء ذاتها وأن أنجب طفلاً يمنعني من تحقيق أهدافي أو أن أشعر أنني مُدين له كما أشعر الآن مع والديّ.” -ماهر، 31 عاماً- تونس