افتح عيني بعد نوم عميق ووسط مقاومتي الاستيقاظ وعدم وجود سبب ملح لأنهض مبكرًا إلا أنني أجدني افتح هاتفي، واتحمل شدة ضوءه على وجهي لأتفقد إن كنت قد استلمت أي جديد على بريدي الإلكتروني، أشعر بالإحباط إن لم أجد شيئًا مهمًا، ويتدفق الأدرينالين في جسدي إن وجدت شيئًا مهمًا، وإن كان هناك موعد لاجتماع أو مقابلة وظيفية فأقوم بسرعة وابدأ بالتركيز في الرد والتفكير في المطلوب مني. كشخص مشخص باضطراب القلق العام اكتشفت أن الإيميل تسببت لي بعنف نفسي شديد وخوف مبالغين على مدار أوقات عدة في حياتي. إن كان عملك الأساسي يعتمد عليه فقد تُصاب مثلي بقلق وارتباك مرضيين.
نقطة خوفي الأساسية هي وصول رسائل جديدة، الخط الـ Bold بجانب كلمة New باللون الأحمر تجعل قلبي يخفق بشدة، قد تضمن الرسائل رفضًا، الأمر الذي يحبطني ويستغرقني بضعة أيام حتى أتجاوزه، أو طلبًا لتحرير نص أو بعض التعديلات على موضوع قد أرسلته. أقوم بتصفح بريدي الإلكتروني طوال الوقت حتى في أي جلسة عائلية أو في فرح أو أي مناسبة، اتفقده كمن ينتظر رسالة مهمة قد تغير مسار حياته دون أن يكون هناك شيئًا فعليًا يستحق الانتظار.
Videos by VICE
يُعرف القلق من البريد الإلكتروني على أنه خوف عميق من البحث في بريدك الوارد – بجانب عدم القدرة على تجنب ذلك في أي وقت نهارًا أو ليلًا. يشعر المصابون بقلق شديد حول بريدهم الوارد – قلقون بشأن تلقي رسائل البريد الإلكتروني والاضطرار إلى قراءتها. يقضي الموظف العادي حوالي أربع ساعات كل يوم في قراءة الرسائل والرد عليها – حيث يتلقى معظم الموظفون ما يصل إلى 120 بريدًا إلكترونيًا كل يوم. وهذا بالنسبة للموظفين الذين يعانون من القلق، هو تحدي كبير بين الرغبة في الإنتاجية والشعور المستمر بالقلق.
يقول دكتور جمال فرويز استشاري الطب النفسي من مصر لـ VICE عربية، أنه منذ عام 1992 وبسبب انتشار التكنولوجيا وتطور الهاتف نشأت 7 مخاوف نفسية تم تسجيلها في الكونجرس الدولي للطب النفسي، “أما الآن ومع كل هذا التقدم التكنولوجي الذي نحيط به من كل جانب أصبح هناك آلاف المخاوف النفسية، وكل أداة إلكترونية حديثة لها مخاوفها وتأثيراتها على صحة الإنسان النفسية.”
ويضيف: “بالنسبة لقلق الإيميل فهو اضطراب نفسي، يمكن أن نطلق عليه الاكتئاب غير النموذجي. هذا الاضطراب مرتبط بنوع الوظيفة وطبيعة العمل في المقام الأول؛ إذ لا يصيب كل الأشخاص بل يصيب بعض الشخصيات العصابية التي تتعامل مع الإيميل في شيء ملح قد يرتبط بأموال أو بتأثير مباشر وقوي على عملهم، ولا يصيب أي شخص يتعامل مع الايميل بشكل روتيني عادي.”
في حين أن قلق البريد الإلكتروني ليس بالأمر الجديد، إلا أنه أصبح أكثر انتشارًا منذ تفشي فيروس كورونا والتحول إلى عمل الموظفين من منازلهم، إذ أصبح تحقيق التوازن بين العمل والحياة أكثر صعوبة. يعاني كثير من الشباب من الأرق والقلق وانعدام الأمن – والتي تكمن جذورها في ثقافة العمل غير الصحية. ويشير البعض للشعور بالذنب لعدم قدرتهم على الرد بشكل أسرع، فيما وصف آخرون كيف تسببت الاستجابة للكثير من الرسائل الإلكترونية في عدم القدرة على تنفيذ مهمات أخرى.
“أفضل طريق التواصل معي هو الإيميل، مع الوقت أصبح ورود إيميل يسبب لي حيرة وارتباك وعدم قدرة على التصرف، وأحياناً أشعر التعرق وضيق التنفس ونوبات القلق عند رؤية علامة جديد في بريدي الوارد،” تقول ريهام أحمد، صانعة محتوى، 29 عامًا، التي كانت تعمل في إحدى وكالات صناعة المحتوى ويتم الاعتماد على المراسلة باللغة الإنجليزية التي لا تجيدها تمامًا: “كنت أصاب بألم شديد في بطني واتعرق بغزارة في كل مرة أكتب فيها إيميلاً، وينتابني شعور سيء بسبب توقعي بأن أحدهم قد يسخر من انجليزيتي. حاليًا أعمل في مجال صناعة الأفلام والتمثيل، وأقدم أفلامي في مهرجانات أو أُقدم للمشاركة في مشهد تمثيلي، تسبب رسائل الرفض التي تصلني بكثرة بشعوري بالتعب والذنب، بينما الرسائل التي انتظرها بشدة لا تأتي من الأساس.”
يعد الإيميل أحد المحفزات القوية للقلق لأن هناك عدة مراحل في التعامل معه، وجميعها تصيبنا بالقلق، قلق ما قبل الإرسال – وفيه يشعر الفرد بالقلق حيال إرسال رسالة مهمة، وكيف سيستقبلها الشخص، هل سيرد؟ وهل هي جيدة؟ هل هي رسمية بدرجة كافية؟ وقلق انتظار الرد – وفيه يقلق الشخص بشأن ما إذا قال شيئًا خاطئًا، وما إذا كان المستلم قد تلقى الرسالة، وما هو انطباعه؟ بجانب قلق تلقي رسالة جديدة والقلق بشأن فتحها. ماذا سيقول المرسل؟ هل ستكون الرسالة التي تريدها؟ وغيرها من التفاصيل.
يضيف د. فرويز واصفًا مشاعر مصابي اضطراب الايميل بأن قلقهم يبدأ بمجرد سماع صوت رنة الايميل أو رؤية شكل الرسالة وهي جديدة في بريدهم الوارد ويقول: “قد يصاب الشخص بصداع، وزغللة في العين وجفاف الفم، وقد تبدأ بعض الاضطرابات في القولون أو المعدة، مع ضربات زيادة في القلب، تنميل، تعرق، آلام أسفل الظهر أو الرقبة، تحدث كل أو بعض هذه الأمراض للمصابين بهذا الاضطراب.”
تقول جولي مكارثي، أستاذة السلوك التنظيمي وإدارة الموارد البشرية في جامعة تورنتو سكاربورو، عن سبب تزايد قلق الإيميل: “إنه نقص ملحوظ في السيطرة على بيئتك؛ إذ ليس لديك سيطرة فيما يتعلق بموعد الرد. على الأقل من خلال الرسائل النصية، يمكنك في كثير من الأحيان معرفة ما إذا كان الشخص يكتب لك أم لا، أما مع رسالة بريد إلكتروني، فتخرج كلماتك في الأثير ولا يمكن لأحد أن يعرف ما يحدث بالضبط. إذا لم نحصل على الإشباع الفوري، فيمكن أن نبدأ بالقلق.”
تُشير أحد التقارير على موقع سايكولوجي توداي أن البريد الإلكتروني هو أحد أكثر المسببات شيوعًا للقلق الاجتماعي والقلق المرتبط بالإنتاجية. فأحد الأسباب الرئيسية التي تجعلنا نشعر بالقلق بشأنه هو أنه “غير متزامن” مما يعني أن هناك تأخيرًا بين إرسال بريد إلكتروني وتلقي رد. وتشير تقارير إلى أنه يمكن أن يسبب قدر هائل من الإجهاد، بدوره يؤدي إلى مشاكل أخرى مثل الاكتئاب والقلق، أمراض القلب، السمنة واضطرابات الطعام ومشاكل في الجهاز الهضمي.
كما توثق الكثير من الأبحاث الضغط الذي يمكن أن تسببه رسائل البريد الوارد غير المقروءة، حيث وجدت إحدى الدراسات أن تلقي إشعارات البريد الإلكتروني المستمرة أثناء النهار والتحقق من رسائل البريد الإلكتروني في الصباح والليل يخلق مستويات متزايدة من القلق.
فاطمة محمد، 30 عامًا، موظفة بإحدى شركات الاستيراد والتصدير تقول أنها تحلم بالايميلات: “يتطلب عملي متابعة طلبات العملاء يوميًا، عبر الإيميل، كنت اتابع من 100 لـ 150 ايميل يوميًا، كنت متوترة وخائفة وانام وأحلم بالإيميلات التي لم أرسلها، لأن أي تقصير في العمل ربما يؤدي بي إلى تعنيف من مديري أو عدم استكمال لطلب العميل، فتقف عملية التصدير بأكملها على الإيميل الذي أرسله أو استقبلته ولم أتعامل معه بجدية. كان الأمر ضاغطًا ومخيفًا ولم اتجاوزه إلا بعد أن تركت عملي.”
إيمان السيد، 32 عامًا، أخصائية تسويق تعاني من نفس الاضطراب: “أصاب بالذعر والقلق بسبب وبدون سبب عندما يصلني إيميل جديد، وأشعر بثقل لا يمكنني وصفه يمنعني من قراءته، لذا أؤجل فتح الرسائل بالأيام وأوقات أقوم بأداء المهمة دون أن أفتح الإيميل من الأساس، لا أعرف السبب المحدد الذي يجعلني أشعر بذلك، ولكن طبيبتي النفسية ساعدتني كثيرًا على التعامل مع الأمر، وقررت أن لا أعمل مع أي شركة تجعلني أتعامل مع العملاء بشكل مباشر.”
بالرغم من القلق العام الذي يصاب به مستخدمي الإيميل إلا أن سيد أحمد، 37 عامًا، صحفي ومعد برامج يخبرنا أن حالته مختلفة، فهو يشعر بالضغط بسبب الواتساب الذي يستخدمه في العمل: “الإيميل لا يتطلب مني رد في نفس الوقت ولا يعرف المرسل وضعي في اللحظة التي يرسل فيها أما مجموعات الواتساب فهي ثقيلة ومجهدة، عشرات الرسائل في نفس اللحظة والجميع ينتظر منك الرد في نفس اللحظة وإن لم أرد تحدث مشكلة وشجار وربما خصم من راتبي. أواجه توتري بالتدخين وتناول الطعام حتى ازداد وزني، وفي وقت الضغط الشديد أترك كل شيء وأنام أو أغلق الهاتف لكثرة الضغط الذي أمر به. تركت عملي بسبب الإجهاد من كثرة الرسائل، لمدة عام ونصف وتدهورت حالتي المادية، ولهذا اضططرت للعودة إلى نفس العمل، ولا زالت الرسائل تشكل لي كابوسًا، وأفكر بالاستقالة ثانية.”
يؤكد الدكتور فرويز بأن اضطراب الايميل هو مرض نفسي بحاجة إلى علاج دوائي وعلاج معرفي يتضمن شرح الحالة وطمأنة المريض وتعريفه بطبيعة شخصيته وسبب ما يحدث له وكذلك علاج سلوكي يتضمن جلسات استرخاء حتى تبدأ هذه المخاوف بالاختفاء تدريجيًا. ويؤكد الطبيب أن إهمال العلاج قد يؤدي إلى ظهور مشاكل أخرى مثل التسبب في قرحة في المعدة أو مشاكل في القلب.
يمكن أن يكون فتح صندوق بريد إلكتروني تجربة متعبة، ولكن تأجيل فتح رسائل البريد الإلكتروني لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأمور، مما يزيد من عبء البريد الوارد لديك وشعورك بالخوف. ينصح الأطباء بفتح الإيميل، عندما تشعر بالراحة بعد شرب القهوة مثلاً، وليس في اللحظة التي تفتح بها عيناك. كما تنصح بعض الشركات موظفيها بالتوقف عن تفحص رسائل البريد الإلكتروني الخاصة بالعمل أو الرد عليها خارج ساعات العمل.
هنا بعض النصائح الأخرى لمساعدتك على التعامل مع قلق الإيميل
مهما كان سبب قلق البريد الإلكتروني، فهو شيء يجب معالجته، إذ يجب أن تستخدم بريدك الإلكتروني لتيسير عملك وليس لخلق شعور مستمر بالقلق، يمكن لهذه الخطوات أن تساعد في تقليل حدة القلق.
- توقف وتنفس وفكر قبل الرد على رسالة بريد إلكتروني غير لطيفة.
- عندما تثير رسالة بريد إلكتروني شعورك بالقلق، لا ترد عليها مباشرة، ارجع إليها لاحقاً واقرأها مجدداً، قد ترى الأمور بشكل مختلف.
- ضع في اعتبارك أن هناك الكثير من الأشخاص الذين تغمرهم رسائل البريد الإلكتروني لدرجة أنهم لا يردون على كل رسالة تصلهم، الأمر ليس شخصياً.
- حاول تتبع الوقت الذي تقضيه في إرسال البريد الإلكتروني، ومن ثم يمكنك حل المشكلة بشكل واقعي عن طريق تقليل الوقت الذي تقضيه في إرسال البريد الإلكتروني تدريجيًا.
- تأكد من أنك لست أكثر صرامة مع نفسك مما يتوقعه الآخرون، مثلًا، الأشخاص الذين لديهم جداول عمل مختلفة والأشخاص الذين يرسلون رسائل بريد إلكتروني في غير ساعات العمل لا يتوقعون بالضرورة ردًا على الفور، لذا فكر مثلهم.
- قم بتدوين أمثلة محددة عندما قمت بالتأخر بالرد على الإيميل ولم تحدث مشكلة كبيرة بسبب ذلك. عندما تقوم بهذه التجربة الذاتية، ستبدأ في ملاحظة مدى شيوع ذلك وكيف أنه لا يعني عادةً أي شيء سلبي. جمع هذه البيانات عن الحياة الواقعية الخاصة بك قد تكون طريقة جيدة لإقناع عقلك بتخفيف نسب التوتر والقلق عند ورود إيميل أو عند الرد عليه.
- عدم القفز إلى الاستنتاجات عندما تشعر بالقلق بشأن رسالة بريد إلكتروني تلقيتها أو أرسلتها ولم تتلق رداً بعد.
- بعد انتهاء ساعات الدوام الرسمي، أنت مدين لجسمك بالاسترخاء والراحة. تذكر ذلك.