مسكون: في هذه السلسلة نسترجع قصصنا العربية الموروثة كجزء من استعادة السردية، بعيداً عن صحتها أو مدى إيماننا بالجن أو قوى ما فوق الطبيعة. هذه القصص تظهر كيف تتشابك التقاليد مع الدين مع عالم الماورائيات مع الترفيه.
العام ١٨٢٨. جلس عالم الآثار والمصريات الفرنسي جان فرانسوا شامبليون في مكتبه بفرنسا بعد أنهى فك رموز حجر رشيد، وتعرف على شفرات اللغة المصرية القديمة. وفي العام التالي، عاد إلى مصر في زيارة أخيرة مودعـًا إياها ومناجيًا الإله آمون، شاكرًا أهل مصر القدامى والجدد الذين قدموا له كل الخير والمعرفة.
Videos by VICE
لم يكن شامبليون يعلم أن أسرار الحضارة المصرية القديمة التي نبشها، ستطارده لمدة أربع سنوات، فقد مات بالشلل الرئوي بعد أن لاحقته لعنة الفراعنة فزهقت رُوحه عام ١٨٣٢ وهو في سن الـ ٤٢ بعد أن وصل لأعلى المراتب العلمية في علم المصريات.
في عام ١٨٦٦ نجحت مجموعة من ٤ شبان إنجليز في اكتشاف بقايا مومياء أميرة فرعونية في منطقة الدير البحري بعد نُبش قبر، وأخرجوا تابوتًا خشبيًا يُروى أنه لكاهنة مصرية وبدأوا في نقله تحت سماوات الأقصر التي تراقبهم. ظن الإنجليز أنهم نجوا بفعلتهم، لكن لعنة الفراعنة لم تمهلهم الكثير من الوقت، فقبل عودة المجموعة للقاهرة، قام أحدهم بفتح التابوت داخل الفندق في الأقصر، وبدأت بعض الأصوات تتعالى من داخل غرفته، أصوات تشبه النحيب والعويل. خرج الرجل من غرفته وسار نحو الصحراء ولم يعد بعد ذلك.
الرجل الثاني، كان يصطاد في أحد الصباحات، انزلق على الأرض وأصاب ذراعه. بدأت المجموعة تشعر أن شيئـًا مخيفـًا يتعقبهم، فأبحروا إلى القاهرة، لكن الرياح لم تسعفهم أثناء الوصول، وبدأت إصابة ذراع الرجل تتفاقم حتى اضطر لبترها. وعلم الثالث أن أسرته فقدت كل ثروتها بمجرد وصوله لبريطانيا. أما رابعهم الذي نجح في العودة إلى إنجلترا بالمومياء المعروفة باسم (المومياء غير المحظوظة)، لم ينج من اللعنة. خسر الرجل كل ثروته في القمار، وبعد أن قرر الهجرة إلى الولايات المتحدة خسر ثروته مرة أخرى بسبب الفيضان والحريق وأصابه مرض خطير، وصار مصدر دخله الوحيد هو بيع أعواد الثقاب في الشارع.
في هذه اللحظة أدركت شقيقة الرجل الرابع أن لعنة الكاهنة تلاحق عائلتها، فقررت أن تمنح المومياء للمتحف البريطاني، وقبل أن ترسلها طلبت من أحد المصورين أن يلتقط صورة فوتوغرافية للتابوت، فكانت النتيجة أن مات المصور، وكذلك الرجل الذي حمل التابوت.
لم تجد الرُوح سَكَنها في قلب المتحف البريطاني. واستمرت اللعنة بملاحقة كل اللذين كانوا سبباً في إخراجها من قبرها.
لم تجد الرُوح سَكَنها في قلب المتحف البريطاني، فالصحافة تطاردها وتحاول معرفة سرها. في عام ١٩٠٤ حاول صحفي بريطاني يُدعي برترام فليتشر روبنسون، أن يكتشف سر المومياء غير المحظوظة. وذلك بعد أن نالت المومياء شهرة واسعة داخل الأوساط السرية في بريطانيا، وانتشرت طقوس غرائبية حول قوتها الخارقة. قرر روبنسون أن يتحقق من الأمر، وكتب مقالًا بعنوان (كاهنة الموت)، وقال فيه “من المؤكد أن المصريين امتلكوا قوة يمكن أن نسخر منها في القرن العشرين، لكننا مازلنا غير قادرين على فهمها.”
شغف روبنسون المتجاوز للحدود أزعج الرُوح في سُكناها، خاصة أنه كان يشارك تفاصيل الحكاية مع صديقه الأديب الشهير أرثر كونان دويل، مبتكر شخصية شيرلوك هومز. محاولات روبنسون لكشف القناع عن المومياء استمرت، لكنها وصلت النهاية عندما بدأت صحته في التدهور بشدة، ومات في عام ١٩٠٧ بالحمى. وقال دويل عن وفاة صديقه “لقد حذرتُ روبنسون من التورط مع المومياء القابعة في المتحف البريطاني، لكنه قاوم ذلك، فكانت النتيجة موته. لقد كان السبب المباشر لوفاته الحمى التيفودية، وتلك هي الطريقة التي يحمي بها حراس المومياء سيدتهم.”
في عام ١٩١٢، بعد مرور ٣٠ عامًا على الاحتلال البريطاني لمصر، خرجت اللعنة من قلب المتحف البريطاني مرة أخرى، لتعاقب المحتل على جرائمه. سافرت عبر الحدود لتصل إلى ميناء ساوثهامبتون. وصعدت اللعنة على سطح باخرة عملاقة تباهى العالم بصناعتها، باخرة ستموج المحيطات والبحار وتحمل الراحة لركابها، لكن روح الكاهنة المصرية القديمة رفضت أن يهنأ المسافرون برحلتهم المتوجهة إلى نيويورك. تسللت الروح الكائنة في صندوق خشبي نائم على ظهر سفينة التيتانيك إلى الأرجاء، وبدأت الباخرة في الانهيار بعد ٤ أيام فقط من قيام الرحلة، وسقط ١٥٠٠ شخص قتلى من بين ٢٢٠٠ راكب، بعد أن وجهت اللعنة الباخرة نحو جبل جليدي، وخلال ثلاث ساعات تقريبًا انتهت أسطورة الباخرة العملاقة.
بحسب بعض الروايات فإن تابوت المومياء غير المحظوظة كان على سفينة التيتانيك وهو ما تسبب بهلاكها. ويُروى كذلك أن عالمـًا أثريًا أمريكيًا كان قد دفع مبلغًا ضخمًا لنقل المومياء للولايات المتحدة، لكن اللعنة لاحقت السفينة التي رفعت المومياء على سطحها حتى انهارت تيتانك قبل وصولها لبلاد العم سام.
بعد مرور عشر سنوات على تلك الحادثة، كان العالم الأثري البريطاني هوارد كارتر يحاول كشف النقاب عن أسرار جديدة في الأراضي المصرية. وكان لورد كارنارفون، جيمس هربرت، أحد رعاة البعثة الاستكشافية التي يقودها كارتر. في ٤ نوفمبر ١٩٢٢ كان كارتر يسير وسط وادي الملوك بمدينة الأقصر حتى وصل إلى منطقة صخرية أدت به إلى سُلم.
تواصل كارتر مع لورد كارنارفون حول الأمر، وبدأت عملية التنقيب، واستمرت لبضعة أسابيع حتى انفتح الباب للرجلين. هبط كارتر بكشافه ثم سأله كارنارفون: هل ترى شيئـًا؟ فقال كارتر: أشياءً رائعة. نزل اللورد إلى أسفل ليرى الأشياء الرائعة، فوجد تابوت الملك الشاب توت عنخ آمون نائمًا وسط مقتنياته الذهبية.
خرج الرجلان من الخبيئة كي ينقلا للعالم أهم اكتشاف أثري في القرن العشرين، لكن لم تمر سوى شهور قليلة حتى صبت اللعنة جم غضبها على اللورد ومجموعة من المكتشفين والعمال، ولم ينتبه أحد منهم أن نقشًا مكتوبًا يحذرهم من تكدير رقاد توت “لا تفتح التابوت .. سيضرب الموت بجناحيه كل من يُعكر صفو الملك.”
في أبريل ١٩٢٣، رحل اللورد البريطاني داخل أحد مستشفيات القاهرة بعد أن أصيب بعدوى انتقلت له من بعوضة نتيجة زيارته لمقبرة الملك المصري. ويُروى أن القاهرة لحظة وفاته أظلمت تمامًا، وأن كلبه في بريطانيا أطلق عواءً ثم مات. ولم تتوقف اللعنة عند هذا الحد، فقد مات ٦ أشخاص ضمن البعثة التي عملت مع هوارد كارتر بعد اكتشافهم للمقبرة.
يظن البعض أن اللعنة تطال اللصوص والأجانب فقط، لكنها أكثر غموضـًا مما يعتقدون.
بعد مرور خمسين عامًا بالضبط على اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، وبالتحديد في عام ١٩٧٢، كان عالم الآثار والمصريات الألماني فيليب فاندنبرج جالسًا مع مدير مصلحة الآثار المصرية الدكتور جمال محرز عام ١٩٧٢ في أحد الفنادق المطلة على النيل، ودار بين الرجلين حوار حول الفراعنة وهل توجد حقـًا لعنة تلاحقنا من مقابرهم؟ كان رد محرز قاطعًا فقال: “لو ربطتَ بين كل حوادث الموت الغامضة تلك، قد تظن ذلك. خاصة أن اللعنات الرسمية موجودة في التاريخ المصري القديم. لكنني ببساطة لا أؤمن بهذا الأمر. اُنظر إليَّ، لقد انغمستُ في عالم المقابر والمومياوات الفرعونية طوال عمري. أنا دليل حي أن كل هذه الحوادث مجرد صدفة.”
لم تمر سوى أربعة أسابيع من المحادثة بين الرجلين، حتى تُوفي محرز في سن الـ٥٢، ويقال أن اليوم الذي مات فيه محرز هو نفس اليوم الذي تم فيه إزعاج مقبرة الملك توت عنخ أمون مرة أخرى، فقد نُقلت مجموعة من مقتنيات توت وسافرت إلى بريطانيا للعرض السياحي.
كل فعل اقترفه اللصوص والمتجاوزون في حق الملوك والكهنة المصريين ظلت تبعاته تلاحق أصحابها ولو بعد حين. وكما تقول إحدى اللعنات: “لكل رجل يدمر هذه المقبرة، سوف يدمره الإله تحوت. وكل من يدمر الكلمات المكتوبة هنا، لن يصل إلى منزله، ولن يحتضن أبناءه.” ويبدو أن هذه الكلمات طاردت عائلة ألمانية منذ عام ٢٠٠٤، عندما زار أحد الألمان الأقصر، وأخذ أثرًا مصريًا من هناك وعاد به إلى بلاده. لم يهنأ الرجل بحياته كثيرًا وبدأت اللعنة تحل عليه، فأصابه الشلل وبعض الأمراض الأخرى حتى وافته المنية في عام ٢٠٠٧. خاف أفراد أسرة الرجل على أنفسهم، ففضلوا إعادة الأثر إلى مقره، فأرسلوا للسلطات المصرية خطابًا يعتذرون فيه عن ذلك الأمر الذي أغضب الفراعنة وتمنوا ألا تأتيهم اللعنة كما حلت على أبيهم.
أحدث الحكايات عن لعنة الفراعنة انتشرت منذ عدة أشهر بين المصريين الذين رأوا أن لعنة أجدادهم لا تهدأ عندما ينزعجون في مرقدهم. هذه المرة اللعنة طالت أرض مصر وأهلها. فالمومياوات الملكية الكائنة في المتحف المصري بميدان التحرير سوف تخرج من استراحتها، وتنتقل إلى متحف الحضارة بمنطقة مصر القديمة.
رأى البعض أن حركة الملوك والملكات لن تأتي بالخير، ولم تمر سوى أيام من انتشار هذه الأحاديث حتى وقعت أزمة قناة السويس الأخيرة، إذ جنحت السفينة إيفرجيفن واستقرت في وسط القناة، مما أثر بالتبعية على حركة الملاحة العالمية لأسابيع. وقبل أيام من الموكب تصادم قطاران في جنوب مصر، بمحافظة سوهاج وأسفر عن مقتل وإصابة العشرات.
لعنة الفراعنة خرافة، والأمر برمته ناتج عن مجموعة فطريات تسبب حمى والتهابات في الجهاز التنفسي.
يبدو أن هذه الحكايات المحفزة للخيال تواجه آراءً علمية قوية الحجة والبرهان. بعض المتخصصين في علم المصريات يرون أن الحديث عن لعنة الفراعنة محض خرافة، وأن حكايات اللعنة الفرعونية بدأت قبل اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، فقد افتتن الأوروبيون بالتاريخ المصري القديم، خاصة بعد اكتشافات الحملة الفرنسية، وانفتاح مصر على الغرب بعد ذلك مع حكم أسرة محمد علي، وإنشاء المتحف المصري والاهتمام بالاكتشافات الأثرية، مما أتاح لكتاب الروايات والقصص القصيرة أن يتخيلوا هذه اللعنات، وسارت بعد ذلك السينما على نفس النهج، فأنتجت أفلام عن لعنة الفراعنة.
وقد وصل هذا الافتتان الغربي بمومياوات الحضارة المصرية القديمة أن أطلق عليه “Mummymania” ويُفسر هذا الهوس بالمومياوات أن الخيال والغموض الذي صنعته الحضارة المصرية لدى الكثيرين، حَوَّل المومياوات لكائنات خارقة، خرجت من حالة الموت إلى حالة أخرى قادرة على بث الرعب في قلوب البشر، وكذلك المتعة من أجل خوض مغامرة غير معلومة الملامح.
كما أن كل حالات الموت التي لاحقت المشاهير المذكورين أعلاه، يعود تفسيرها إلى أسباب طبية مباشرة، فمثلًا اللورد كارنارفون سبب وفاته هو اعتلال صحته لسنوات، إذ كان يعاني من مشاكل صحية قبل مجيئه لمصر منها مشاكل في التنفس بعد تعرضه لحادثة في بريطانيا. أما جان فرانسوا شامبليون، فتعددت الأسباب الطبية لوفاته ومن بينها مرض السكري، ومشاكل في الأعصاب.
هذه الوفيات لا يمكن أن تأتي بعيدة عن طبيعة العمل في مجال التنقيب عن الآثار، ودخول مقابر مغلقة لقرون بل آلاف السنوات، وفي هذا الصدد كان الطبيب المصري وعالم البيولوجيا بجامعة القاهرة عز الدين طه، قد توصل سنة ١٩٦٢ إلى حقيقة هذه اللعنة التي اعتبرها خرافة، وأن الأمر برمته ناتج عن مجموعة فطريات تسبب حمى والتهابات في الجهاز التنفسي.
كما أنه لاحظ تعرض بعض الأثريين لوجود طفح جلدي ومشاكل في التنفس، وقد سمى هذه الأعراض بـ (الحَكَّة القبطية)، ولاحظ طه أن هذه الأعراض مرتبطة بالعاملين في مجال صناعة أوراق البردى. وتوصل لوجود مجموعة من الأمراض الفطرية الخطيرة التي توجد في المقابر من بينها مرض يسمى (الرشاشية السوداء أو aspergillus niger) وهو مرض فطري يصيب الرئة حال استنشاق الرشاشيات، لكنه لم يُثبت مدى قدرة هذه الفطريات على الحياة داخل المقابر لآلاف السنين.
ويبدو أن اللعنة قد أصرت على إثبات نفسها، فبعد أن عقد طه مؤتمرًا صحفيًا لدحض كل الخرافات الخاصة بلعنة الفراعنة، عاد بسيارته للقاهرة من السويس، لكن عربته انحرفت عن مسارها واصطدمت بسيارة أخرى. مات طه ورفاقه على الفور، وأصيب ركاب السيارة الأخرى بإصابات بالغة. وجاء تفسير الطب الشرعي أن سبب الوفاة هبوط في الدورة الدموية، إلا أن القصة تروق لبعض محبي اللعنة الفرعونية دون النظر للتفسير العلمي.
على المستوى الأثري، يعتقد علماء الآثار أن هناك بعض المدعين الذين يروجون للعنة الفراعنة وأنها حقيقة علمية، وهؤلاء ينتمون إلى ما يسمى (علم الآثار المزيف أو البديل)، وهو أسلوب يلجأ لمنهج غير علمي في تحليل الظواهر الأثرية. ويرى بعض الأثريين أن اللعنة لو كانت حقيقية، لماذا قام المصريون القدماء بعمل مقابر ذات سراديب ومخابئ، فاللعنة تستطيع حماية الملوك على بُعد أميال، وبالتالي فالنظرية الأقرب للمنطق أن مفهوم اللعنة مبتدع من قبل المصريين القدماء أنفسهم من أجل إبعاد اللصوص، ولتأكيد ذلك كتبوا على مقابرهم نصوص هذه اللعنات.
مدة حماية المقبرة تصل إلى ثلاثة آلاف عام، وفي حال حاول أحدهم أن يعتدي على المقبرة، يقرر الرصد معاقبة المعتدي فورًا بخطف أحد أبنائه فورًا وذبحه.
ورغم كل المحاولات العلمية لنسف إدعاء لعنة الفراعنة، إلا أن الحكايات الشعبية والتراث الثقافي الممتد في مصر والعالم، مازال مشوقـًا للعديد من البشر. فعندما حاولت التعرف على حكايات معاصرة من بعض المصريين الذين يعيشون مغامرة لعنة الفراعنة من أرض الصعيد الممتلئ بالقصص.
تحدثتُ إلى حسن، ٢٤ عاماً، من محافظة سوهاج، وروى لي أن أحد أقاربه كان يعمل داخل أحد المقابر في محاولة لاكتشاف آثار. وقال لي: “نزل أحد أقاربي إلى مقبرة عمقها يصل لـ ١٢ مترًا، وأثناء زحفه على بطنه داخلها، ضربه شخص ما على رأسه ففقد وعيه. خرج بعدها من المقبرة وهو مقتنع أن الذي ضربه هو حارس المقبرة، والحارس هنا ليس بشرًا، ويسمى (الرَصَد)، وهو جن يتم تسخيره على أشكال متنوعة، قد يكون حشرة أو حيوان أو تعويذة.”. ويضيف: “هناك اعتقاد عام إن عدم قدرة الشخص على إيجاد الآثار المدفونة في هذه المقابر، يرجع إلى وجود طريقة صحيحة لفتح المقبرة، إذا لم تعرفها فالنتيجة هي اللعنة. فتح المقبرة بطريقة صحيحة من البداية قد يحمي الأشخاص من اللعنة.”
واللعنة في ظن الكثيرين لا تأتي وحدها لكنها مرتبطة بحارس المقبرة/الرَصَد، وهو ببساطة جن أو عفريت يحمي المقبرة من أي اعتداء عليها، فيرصد كل من يقترب من المُتوفى وكنوزه كي لا يُسرق الجسد والممتلكات. ويحاول المؤمنون باللعنة أن يصنعوا أحيانًا علاقة طيبة مع الرَصَد، فيقدمون له القرابين من خلال ذبح شيء مثلًا، مثل القرابين التي تُقدم للآلهة. وينتشر بين الأهالي أن مدة حماية المقبرة تصل إلى ثلاثة آلاف عام، وفي حال حاول أحدهم أن يعتدي على المقبرة، يقرر الرصد معاقبة المعتدي فورًا بخطف أحد أبنائه فورًا وذبحه.
حسن في حيرة بين عالمين، فهو يشعر أن اللعنات موجودة لكنه لا يصدق الروايات المتداولة بين الناس، فكل الغيبيات في نظره تحمل بعدًا صحيحًا ويضيف: “الفراعنة كان لديهم طرق ذكية في إغلاق مقابرهم وضمان عدم سرقتها.”
ويفسر بعض السكان في صعيد مصر أن حكايات اللعنة يختلقها كل من يفشلون في الوصول للآثار، في حين أن من ينجحون في إيجاد أي قطع أثرية لا يهتم بمسألة اللعنة لأنه حصل على ما يريد في النهاية.
هبة، ٢٥ عاماً، من محافظة سوهاج لديها قصة مرعبة مع لعنة الفراعنة بدأت عندما ذهبت في رحلة مدرسية لوادي الملوك بالأقصر. وتشرح: “دخلت إلى المقبرة وهبطت داخل سلالم، ورأيت مومياوات كثيرة، وبدأت بالسخرية مع صديقة لي حول اللعنة التي قد تصيبنا لدخولنا مقابرهم.” وتكمل: “بعد خروجي من هناك شعرت بدوار شديد، وظننت أن الأمر مرتبط بضغط الهواء، بعد دقائق سقطت مغشية علي وشعرت بضيق تنفس، لكني كنت مدركة لمن حولي. منذ ذلك الحين وأنا أرى كوابيسًا، وأحلامًا لأشخاص يشبهون الفراعنة يطلبون مني الزواج.”
تقول هبة أن قصتها أصبحت معروفة عند أهل القرية، والشيوخ باتوا يسألون عنها بالاسم: “كانوا يقولون أنه حكم علي الموت بالسحر، وقال لي أحد الشيوخ أن السحر لا يتوقف، بل يتجدد لأن هناك (رَصَد/الحارس) يرافقني عقاباً على سخريتي من لعنتهم.” ما زالت هبة مقتنعة بلعنة الفراعنة التي سببت لها كوابيس تصاحبها حتى اليوم: “خفت حدة الكوابيس مع الوقت، ولكن الفراعنة ولعنتهم مازالوا يسببون لي مشاكل وتعثر في حياتي دون توقف، ولا أحد يستطيع مساعدتي.”
ستظل الحكايات عن لعنة الفراعنة أرضًا خصبة للمؤمنين بالقوى الخارقة، وصناع الأدب والسينما، فهل ستظل اللعنة تخيفنا أم أن هذه الأرواح سترتاح أخيراً، في حال توقفنا عن إيقاظها؟
*حسن وهبة، اختاروا أسماءً مستعارة لأسباب شخصية.