متى أصبح الضرب مبرراً؟ فقط في مسلسلات رمضان

مجتمع

بشكل عام، أنا لست من متابعي مسلسلات رمضان، ببساطة بزهق من متابعة 30 حلقة من مسلسل يمكن اختصارها بعشرة، أتابع حلقة هنا وحلقة هناك من مسلسل هنا ومسلسل هناك ولكن دائماً ما أشاهد الحلقة قبل الأخيرة والأخيرة حتى لو لم أعرف كافة التفاصيل، هناك متعة غير مفهومة بالنسبة لي بمعرفة النهاية، لست من محبي البدايات. لسوء حظي، شاهدت حلقة في مسلسل تانغو لم أستطع أن أمر عنها أبداً. المسلسل الذي يتحدث عن الخيانة الزوجية ويعرض على عدة قنوات عربية خلال رمضان، هو من بطولة باسل خياط (عامر)، دانا مارديني (لينا) ودانييلا رحمة (فرح) وباسم مغنية (سامي) وإخراج رامي حنا. في حلقة 8، يقوم عامر (الخائن) بضرب زوجته لينا عندما أكتشف أنها تتناول الكوكايين (اضافة الى الاهانات اللفظية الكثيرة). يضربها بشدة ويحاول خنقها في الحمام، قبل أن يتركها. مشهد الضرب يمر ببساطة، ولاحقاً في تلك الليلة يقوم عامر بإهداء قلادة من الألماس للينا كنوع من الاعتذار. كل ما كنت أفكر فيه وأنا أتابع هذه المشاهد هو من هي تلك المرأة التي ستتعامل مع ضرب زوجها لها وكأن شيئاً لم يكن.



أعرف ما الذي تفكرون فيه، هناك العديد من الزواجات والعلاقات التي يقوم الزوج بضرب زوجته (يكسر ايديهم كلهم)، كمان هي بتشرب “كوك” الحق عليها. لا خطاً، تناولها الكوكايين من عدمه لا يبرر ضربها تحت أي حالة وفي أي قانون (عدى انو تصرف لا أخلاقي). لا أستطيع التفكير بأي امرأة تتعامل مع الضرب بشكل عادي، وتمر عنه وترضى بقلادة. ببساطة، ردة فعل لينا لا تشبه ردة فعل أي زوجة في حالتها، حسب رأيي وحسب ما أعرفه. في بعض الحالات بعد حادثة الضرب، قد تنتهي العلاقة بعد ذلك، وقد تستمر لأسباب مختلفة، ولكن هذه المرأة التي لا تشعر بالإهانة هي من صنع كاتب السيناريو (إياد أبو الشامات)، وهي لا تشبه ردة فعل أي إمرأة يقوم زوجها بضربها بأي شكل كان، لا تقنعوني.

قرار ترك زوجها بعد ضربه لها هو موضوع آخر، ولكن أقل شيء هو أنها ستخبر أهلها، صديقتها، ستترك له البيت ولو لفترة بسيطة، ستتوقف عن الحديث معه، ممكن أن ترد الضربة له، ستتجاهله تماماً، ستكرهه للأبد… ولكن كاتب السيناريو غير معني بكل ذلك. ما يهمه هو إثبات ضعف لينا، والتي لتزيد الطين بلة، تخبر فرح أن القلادة من زوجها بإبتسامة وبدون أدنى شعور بالإهانة من كونها “انضربت.” لا أحد يمر عن الضرب ببساطة، أعيد وأكرر، حتى لو كانت شخصية مُعقدة كما يحاول الكاتب والمخرج إظهاره في شخصية لينا. المأساة الأخرى كانت ردة فعل فرح، والتي توقعت أن تكون مختلفة، فهي تسأل لينا عن سبب الضرب (وتظهر صدمة صغيرة على وجهها) ومن ثم تنتقل إلى موضوع مختلف تماماً.

“انو هادا بس تعليقها على الضرب” قلت لنفسي، هكذا مَرت عن موضوع ضرب عامر، الذي تحبه، لزوجته، لم تجد أي شيء لتقوله للينا، لم تشعر بأن هناك شيء “غلط” في ضرب رجل لإمرأة، هيك عادي بتمر عن الموضوع. يحاول كاتب السيناريو في مشهد آخر، إظهار رفض فرح لضرب عامر لزوجته، ولكنه لا يبدو رفضاً حقيقياً، ولا أن واقعة الضرب غَيرت من نظرتها لعامر، ولا تبدو أنها تشعر بالقلق بأنه قد يضربها أيضاً، وهو أمر لا يحتاج الى الكثير من الذكاء، فالرجل الذي يضرب مرة لا شيء يمنعه من الضرب مرة أخرى، امرأة أخرى.

قد يقول قائل، ولكنه عمل درامي أو حبكة درامية وفيه شيء من الحقيقة فلا بد أن هناك مثل هذه الشخصيات في الواقع. تمام، منطقي، إذا سَلمنا بذلك، اذا اتفقنا أن عامر يمثل واقعاً، ولينا تمثل الواقع الآخر، ماذا عن فرح، راقصة التانغو “الفهمانة” لماذا لم تقل أي كلمة ضد الضرب؟ ما الضرورة الدرامية في ذلك؟ فقط لموازنة الموضوع، كي لا يعتقد المشاهد للحظة، لثواني، أن الضرب مبرر. هذه ليست مسؤولية فقط هذا أقل شيء ممكن إذا قررت ككاتب وبوعي كامل أن تدخل مشهد الضرب في السيناريو. وهذا أيضاً يمثل الواقع، فالغالبية اذا لم نقل جميع النساء متفق على تجريم الضرب شكلاً ومضموناً بمبرر أو بدونه. قد يوجد هناك من “يتقبلونه” فرضاً، ولكن لماذا الضرورة الدرامية تتطلب فقط اثبات الجزء البشع والذي يمثل الأقلية في المجتمع؟ لا يوجد أي سبب أو حبكة لجعل مشهد الضرب يمر بدون انتقاده وتجريمه بأي طريقة، واذا كنت “واقعياً” لهذه الدرجة، يجب أن تمثل وجهة نظر أخرى (عندك 30 حلقة) وأن يتم الحديث عن الضرب بجملة أو جملتين على اعتباره أمر خطير، ومرفوض وغير قانوني ولا يجب المسامحة أو التهاون فيه. هذا المسلسل الذي من المفترض أن يسلط الضوء على قضية الخيانة من وجهة نظر مختلفة، يفشل في إظهار صورة المرأة المُعنفة، والسؤال هو أن أحداً لم “ينتكش” سواء من المخرج للممثلين؟ لا يبدو أن أحداً اعترض على عدم سوية هذه المشاهد “إنو في شي غلط.” لينا قررت أن تترك زوجها عندما اشتبهت أنه يخونها، هذا كان سببها لتركه، وليس لأنه ضربها. الخيانة غير مقبولة، أما الضرب فعادي. بتمرق.

Videos by VICE

تانغو ليس الوحيد، الجزء الثاني من مسلسل “الهيبة العودة” (بطولة تيم حسن وكتابة هوزان عكو، وسيناريو باسم السلكا، إخراج سامر البرقاوي) أيضاً لم يخلو من الضرب (واضح أن كُتاب السيناريو مهووسين بالأمر). في الحلقة رقم 13 يقوم جبل شيخ الجبل، رجال العيلة، بضرب زوجته سُمية الذي تزوجها غصباً عنها (تقوم بدورها نيكول سابا) “بالحزام،” لأنها تحدثت عن عائلته. بالحزام، شو هالاجرام. ولكن ما الذي تتوقعه من شخص يقوم بتجارة المخدرات والأسلحة؟ قد تسأل، لا أتوقع الكثير، ولكن لماذا يحتاج جبل شيخ الجبل – الذي أصبح مثالاً للكثير من الشباب العرب بلبسه وقصة شعره وأسلوب كلامه – لأن يضرب زوجته؟ ليش؟ لإثبات رجولته؟ أنا أصلاً ضد مصطلح رجولة وكل ما تعنيه، ولكن “رجولة” الضارب هي رجولة مريضة وضعيفة ومنفذها مكانه السجن. ليس هذا فقط بل أن كاتب السيناريو جعل أم جبل (منى واصف) تدافع عما فعله جَبل عندما يشعر بالقليل من الندم “ما عمري رفعت ايدي على مره” يقول لها وهي تجيبه “خَرجها.” أنو المرأة نفسها بتدافع عن ضرب امرأة أخرى. أسهل شي، لوم النساء على عدم دعم بعضهن البعض. على أي أساس؟ كمان، التبريرات مستمر، انظر الى عنوان الكليب في الأسفل والذي يصف يبرر حادثة الضرب لأنها تستحقه “سمية تدفع ثمن ثرثرتها.” وين عايشين بغابة؟


نحن في عام 2018 إذا حتى الآن لا نستطيع تحريم وتجريم الضرب جملة وتفصيلاً ومعاقبة وتشويه صورة الضارب في المجتمع وفي الفن وفي الثقافة وفي كل مكان، فنحن لم نخطو خطوة واحدة للأمام في مجال حقوق المرأة. تبرير أذية شخص آخر، أياً كان ولأي سبب غير مبررة إطلاقاً. لا مبرر ولا سبب في العالم كله، يبرر ضرب أي رجل لأي امرأة، هذه جملة يجب أن يتم تكرارها صباحاً وليلاً على كل شاب ورجل في العالم. لا يزال هناك العديد من الحلقات القادمة، وقد يكون هناك مشاهد أخرى تتحدث عن الضرب وردة فعل المرأة بطريقة مختلفة وأكثر حقيقية، ربما، أتمنى. لا أعتقد.

هل تابعت مسلسلات رمضانية تناقش الضرب بكافة أشكاله بطريقة مختلفة أو مشابهة؟ تواصل معنا على @VICEArabia بنحب نسمع رأيك.