مرأة

مبادرة "فوطة تسد الخانة" لتسييس الحيض ومحاربة فقر الدورة الشهرية في السودان

الدورة الشهرية هي قضية سياسية
دكتورة فاطمة أوشيك - تصوير بسمة عطية

الدكتورة فاطمة أوشيك. الصورة مقدمة منها.

طالما كان الحديث عن الدورة الشهرية في مجتمعاتنا العربية والأفريقية من المحظورات التي يُلاحقها الوصم المجتمعي، رغم أن الحيض جزءًا صحيًّا وطبيعيًّا من الدورة الإنجابية للفتيات والنساء. تُترك النساء تتألم بمفردها دون وعي عما يحدث في جسدها وكيف تتعامل معه في غياب شبه كامل للتثقيف الجنسي. تكبر الفتيات مع الوصم والصمت كأحد مظاهر فقر الدورة الشهرية بجانب عدم قدرتها على الحصول على منتجات الصحية للدورة الشهرية واستخدام بدائل غير صحية تلحق بها الأضرار الجسدية والنفسية.

إعلان

"فوطة تسد الخانة" مبادرة سودانية تطوعية أسستها الدكتورة والناشطة فاطمة أوشيك، ٣٣ عاماً، وترافقها حوالي 30 فتاة مؤمنات بأهمية كسر الوصم المجتمعي المرتبط بالحيض ومحاربة فقر الدورة الشهرية في السودان وتوفير الفوط الصحية لكل امرأة محرومة من هذه المنتجات.

فاطمة هي طبيبة أسنان حاصلة على ماجستير في دراسات النوع الاجتماعي والهجرة والتعددية الثقافية من "المعهد الاقليمي لدراسات النوع الاجتماعي، التنوع، السلام و الحقوق" من جامعة الأحفاد للبنات في مدينة أم درمان بالسودان. تحدثت معها عبر الماسنجر وسألتها عن المبادرة، آليات الوصول للنساء وردود الفعل.

Vice عربية: أهًلا فاطمة. ما هي مبادرة "فوطة تسد الخانة."
فاطمة أوشيك: "فوطة تسد الخانة" انطلقت في سبتمبر 2020 وتهدف لكسر الوصم الاجتماعي والتابوه المرتبط بالدورة الشهرية في الفضاء العام ورفع الوعي بفترة الحيض. هذه المبادرة هي مشروع لتسييس الحيض على كل المستويات.

ماذا تعنين بـ تسيس الحيض؟
كما هو معروف في الأدبيات النسوية "الشخصي سياسي" والدورة الشهرية يجب أن تخرج من المنزل، بمعنى أنها ليست شأن خاص وعلى النساء تحمل مسؤوليتها بمعزل عن المجتمع والفضاء العام سواء مدرسة أو جامعة أو مكان العمل.

الدورة الشهرية هي قضية سياسية ومدخل لقضايا سياسية كثيرة، ومطالبنا بتسييس الدورة الشهرية تعني أن يكون الحيض مؤسسي، بدءًا من تخصيص ميزانية للدولة تكون حساسة للنوع الاجتماعي، وصولًا لسياسات مؤسسية على مستوى الوزارات والبرلمان وغيرها مثل تخصيص إجازة شهرية في العمل، توفير الفوط الصحية مجانًا للفتيات بالمدارس، لإن أحد أسباب تسرب الفتيات من التعليم هو الدورة الشهرية وعدم قدرتهن على شرائها، وكذلك المطالبة بسن سياسات واضحة تجاه فقر الدورة الشهرية، من توفير الفوط الصحية، وبرامج التوعية الصحية بأهمية استخداء هذه الفوط لفترات محددة تتراوح من 4- 6 ساعات والابتعاد عن البدائل غير الصحية التي تُسبب العديد من الالتهابات التناسلية للنساء والفتيات.

إعلان

ولكن ماذا يعني تسييس الدورة الشهرية في بلد كالسودان الذي يشهد اضطرابات سياسية ونزاعات قبلية؟
الدورة الشهرية توجد في قلب هذا الاحتقان في السودان ولا يمكنها الانفصال بأي حال عن هذا المناخ السياسي غير المستقر مثل النزوح وما يفرضه من تداعيات سياسية تكون فيها النساء أكثر المتضررات. لهذا أطلقنا دورة "فوطة نازحة" لتوفير الفوط الصحية للنازحات جراء أحداث العنف والاقتتال الأهلي بولاية النيل الأزرق – جنوب السودان. "فوطة تسد الخانة" هدفها الوصول لكل منزل وملجأ، معسكر، زنزانة وشارع، في الضواحي والمدن والأرياف.

لنتحدث أكثر عن دورة "فوطة نازحة" للنازحات من النزاعات القبلية بولاية النيل الأزرق- جنوب السودان.
الحروب يصنعها الرجال والنساء هن أول ضحاياها، يتناوش الساسة وتدفع المرأة الضريبة؛ حيث تُصاب بالإجهاد النفسي والجسماني الناجم عن آثار القتل والدمار، والذي يترتب عليه تغيرات فسيولوجية تُصاحب الدورة الشهرية التي تأتي إما مبكرة ومتكررة وكثيفة نظرًا للمجهود البدني والضغط العصبي الذي تتعرض له النساء في عمليات النزوح من خوف وهلع، ولهذا تعتبر معسكرات النزوح واللجوء أكثر المناطق استهدافًا لحاجة النساء للفوط الصحية.

إعلان

 كما تُواجه النساء في رحلة النزوح بمناطق النزاعات المسلحة العديد من الانتهاكات الجنسية؛ كالتحرش، الاغتصاب والاستغلال الجنسي مثل مقايضة ممارسة الجنس مقابل الحصول على الفوط الصحية. صحيح لم تُسجل حالات مماثلة في السودان حتى الآن ونأمل ألا يحدث، ولكن سياق النزوح والهجرة عمومًا يُشكل خطرًا جسيمًا على حياة آلاف النساء.

292399724_115645087855156_8798886861071878946_n.jpg

متظاهرة تحمل يافطة "فوطة تسد خانة" من الموكب النسوي في أم درمان. جميع الصور مقدمة من المبادرة.

كان هناك هجوم على السوشيال ميديا ضد حملة" فوطة نازحة" على اعتبار أن النساء النازحات بحاجة إلى الخبز والماء وليس فوط صحية.
بداية، ما المانع من التنوع والتكامل بين مبادرات تُقدم الأكل والشراب للنازحين/ات، ومبادرات أخرى حساسة تجاه النوع الاجتماعي واحتياجاته وتوفر الفوط الصحية للنساء؟ نعم "فوطة نازحة" كانت مبادرة صادمة لمن يرَون سياق النزوح في جانبه السياسي فقط، ويرتبط فقط بتوفير الطعام فقط.

برأيي، أن تسخيف مطالب النساء الأساسية كالفوط الصحية وهو جزء من الوصاية الذكورية على أجساد النساء أو ما يُعرف بالتنظير الذكوري، حيث يحدد الرجال ما يَهم النساء من وجهة نظرهم، وهذا منطق غريب ومرفوض. لماذا يتحدث الرجل عن دورتي الشهرية بالنيابة عني؟ ليس من حق الرجال النقاش والتنظير على أن الأكل والشرب أهم من توفير فوطة صحية للنساء أو الحديث بأن قطعة قماش تكفينا، ببساطة، ماعندك دورة.. ماعندك كلام. لكن رب ضرة نافعة، هذا الهجوم والنقد الذي طال "فوطة نازحة" ضاعف من التبرعات النقدية والعينية التي تلقتها المبادرة، وتم توزيع أكثر من 116 كرتونة من الفوط قبل أيام على النازحات بالتشبيك مع منظمة كلنا قيم.

أود الإشارة كذلك إلى أن النساء من ذوات الإعاقة في المخيمات يعانين من فقر الدورة الشهرية بشكل مضاعف، لإن لديهن فرصة محدودة للوصول لدورات المياه مجهزة لهن وهو ما نطالب الدولة بتوفيره ويندرج تحت بند تسييس الدورة الدورة الشهرية.

إعلان
295870607_124699143616417_7828264756610149337_n.jpg

ماذا عن القبول الثقافي للفوط الصحية. في واحدة من التعليقات على حملة " فوطة نازحة" أشار البعض بأن هناك نساء لم تستخدم الفوط من قبل ولا تعلم عنها شيئًا في بعض مناطق النزوح؟
صحيح هناك نساء بهذه المناطق تستخدم الفوط القماشية فقط، ومن هنا كان الانتقاد لمبادرتنا بأنها تُقدم فوط صحية تستعمل لمرة واحدة. رَدي على هذه التعليقات هو من زاوية علمية متخصصة تتعلق بما يُسمى "إدارة الدورة الشهرية" والسلوكيات الصحية المرتبطة بها. الفوط الصحية أحادية الاستخدام هي الأنسب للنازحات حيث التعقيم والسهولة في التخلص وعدم الحاجة لكميات كبيرة من المياه. بينما الفوط القماشية معادة الاستخدام تحتاج للغسل بمياه وافرة وهو صعب جداً خلال النزوح، ذلك فضلاً عن المشكلات الصحية والالتهابات الناجمة عن الفوط القماش غير المعقمة مع ارتفاع معدلات الرطوبة والحرارة أثناء رحلة النزوح. لدينا متطوعات من فريق العمل الميداني بالمبادرة يقمن بتوعية وتثقيف النساء على استخدام الفوط الصحية أثناء توزيعها عليهن.

نظمت المبادرة "دورة السجون" العام الماضي، حدثينا عن أوضاع السجينات السودانيات مع الدورة الشهرية.
حرمان السجينات من الفوط الصحية يُعد امتهاناً للكرامة الإنسانية للمرأة. يوجد في السودان حوالي ١٠ سجون نسائية، ولاحظنا أن جزء من عقاب وإهانة السجينات السياسيات خلال الثورة السودانية يرتبط بمنع توصيل الفوط الصحية لهن أو حجبها عنهن عند إرسالها لهن من قبل الأسرة، مع أن لوائح السجون، تسمح بتوزيع الفوط الصحية كحصة شهرية إما عن طريق منظمات إنسانية أو عبر أهالي السجينات.

287529674_108544165231915_3277744449113962253_n.jpg

تصوير: محمد عثمان نظام الدين.

ما هي المظاهر الأخرى لفقر الدورة الشهرية في السودان بجانب صعوبة الحصول على الفوط الصحية.
المفاهيم الخاطئة عن الدورة الشهرية باعتبارها عيب، وأمر يدعو للخَزي وخاص بالنساء هو أحد مظاهر فقر الدورة الشهرية، لأن المعلومات الشحيحة عن الدورة تخلق مفاهيم مُشوهة وتؤثر بالتبعية في إمكانية الحصول على الفوط الصحية. 

عندما نطالب كـ "فوطة تسد الخانة" بتسيس الدورة الشهرية نحن نستهدف توفير بنية تحتية حساسة للنوع الاجتماعي لإن المدارس وأماكن العمل والجامعات وغيرها تحتاج لدورات مياة جيدة التهوية، مياه جارية، إضاءة جيدة، صابون، صندوق قمامة مغلق وهي إجراءات هامة لإدارة فقر الدورة الشهرية. غياب المناهج التعليمية الحساسة للنوع الاجتماعي هو أحد مظاهر فقر الدورة الشهرية كذلك، المناهج الدراسية بشكل عام، لا تتحدث عن الدورة وكيف تؤثر على النساء نفسيا وجسديًا، ولكن تُركز فقط على ضرورة الاغتسال من الحيض. 

من بين أنشطة المبادرة التوثيق والرصد للشهادات الصحية الناجمة عن البدائل غير الصحية التي تلجأ لها النساء. ما هي أكثر شهادة صادمة؟ 
كانت هناك شهادة مؤلمة لإحدى الطبيبات أثناء فترة عملها بالأرياف، عن استقبالها لفتاة صغيرة تعاني من التهابات مهبلية شديدة وأخبرتها الفتاة إنها كانت تستخدم قطن مَرتبة السرير أثناء الدورة الشهرية، وتسببت هذه الالتهابات في استئصال رحم الفتاة. هذه الشهادة وغيرها كشفت الأضرار الحقيقية لغياب الفوط الصحية والثقافة الجنسية والصحية. القطن مثلاً ليس بديل صحي للفوط، ويخلق بيئة خصبة للبكتيريا.

نطمح من خلال عملنا في "فوطة تسد الخانة" إلى أن تُصبح الفوط مجانية في المدارس وأماكن العمل ورفع الضرائب من عليها. كان للمبادرة أثر كالفراشة عند انطلاقها بعد موافقة هيئة التأمين الصحي بولاية الخرطوم، على إدخال الفوط الصحية للنساء ضمن مظلة التأمين، وكان قرار إيجابي جدًا، ونرجو ألا يتم الغائه في ظل حالة الفراغ السياسي الحالي.