جدل

تكلمي يا شيرين: هل تنتهي رحلة تمردنا معًا بخيبة أمل؟

بوعي أو بدون، انحازت شيرين في أغنياتها للنساء، فما الذي تغير؟
sherine
الصورة: انستغرام

في مشهد عشوائي تقف شيرين على المسرح ضمن فعاليّات حفل الرياض 2019 تعبر عن استياءها من هاشتاغ فعّلته بعض نساء المنطقة العربية لانتقاد تصريحها بوجوب طاعة الرجال.ثم تقول إن "الرجالة عسل" وتستكمل بتصريح أكثر استفزازًا من سابقه، تقول فيه أن اللاتي لا يعجبهن تصريحها الأول "شوية عوانس." ينفجر تويتر بين ألتراس شيرين وبين مَن رفضن تصريحها المُسيء. بين هاشتاغ: تكلمي ياشيرين، وهاشتاغ: اخرسي ياشيرين، اندلعت حرب لم يبحث طرفيها جيدًا في تاريخ شيرين وعلاقتها بالنساء في أغنياتها.

إعلان

إحباط أصابني وأنا أشاهدها تتحدث، بعفويتها المعتادة، بلا فلاتر، وبلا حسابات، وبروح دعابة جعلتني أعيد المقطع مرات لأتأكد أنها هي. تذكّرت سنوات طويلة سمعت فيها شيرين تُغني وتتغنى للنساء، كامرأة تتحدى الخوف والعادات وترفض أن تقدم نفسها طبقًا شهيًا في علاقة مُسيئة. هذه هي شيرين التي أعرفها والتي ربطتني بها علاقة منذ طفولتي. أذكر أنني في الحادية عشر من عمري، طلبت من مصففة شعر أن تقص شعري الطويل. قصصتُه كله لأول مرة في حياتي. حينما سألتني المصففة أي قصّة أريدها، أشرتُ إلى مغنية جديدة وشُهرتها: (شيرين آه ياليل). أول قرار لي في شعري، هو قصّة شعر شيرين عبد الوهاب. قصّة شعر: شيرين آه ياليل. بعد قصة الشعر تلك تحولت من طفلة تشد شعرها للخلف وتربطه، إلى طفلة تخرج بشعرها أيًا كانت هيئته، ولا تخجل منه. تلك كانت هي بداية علاقتي بشيرين عبد الوهاب. شابة منطلقة شعرها قصير جدًا. تُغني وتتحدى أي شخص أو فكرة تتقيد بها معايير قبولها كمطربة، وكامرأة.

حضرت شيرين في مراحل مختلفة من عمري، مُلهمة في اختيارها لأغنياتها، في جرأة كلماتها. بوعي أو بدون، انحازت شيرين للنساء. أغنياتها صوت مُعاكس قوي يسبح ضد تيار عنيف من الضغط على النساء لاستكمال علاقات مُؤذية. تجرأت شيرين. قالت لا، بصوت شابة شعبية، ترقص أمام الكاميرا بلا اكتراث: "إيه يعني غرامك ودّعني؟ ده أنا بيك، من غيرك، مش فارقة." يُحرك شيرين كبرياءها بوضوح في أغنيتها "لا ياحبيبي" تقول: "راجع لي بعد إيه؟…. نسيتك ذنبي إيه!"

غنّت شيرين لنساء يعرفن أنهن قادرات على الرحيل- يومًا ما وتتغنّى بنفسها أثناء الانفصال: أخيرًا اتجرأت أعلّي صوتي عليه

استكملت مسيرة الأغنيات الصادمة، واستعارت عبارات مصرية عادة ما يُوصف مُستخدميها أنهم "بيئة." انتشر هذا التعبير أوائل الألفية الثالثة كدلالة أن شخص ليس من طبقة عُليا، بالأخص لو كانت امرأة. عادة ما يكون هناك فلتر لغوي يُحد من تعبير النساء عن أنفسهنّ، بما في ذلك الوصم بالطبقة الاجتماعية واستخدام كلمات غير لائقة اجتماعيًا. خرجت شيرين عن هذا النمط. غنّت أكثر من مرة بالردح، وآخر همها هو أن يضعها الجمهور في قالب امرأة "بيئة." تقول في اغنية اللي جارحني: يا أبو قلب جواه فاضي، ياللي معندكش ماضي. في أخرى لتقول لشريك سابق: "إيه إيه" وتجعلها عنوانًا للأغنية. كلمتان تستخدمهما النساء في السياقات الشعبية، عادة ما يسبقهما شهقة عالية، تدل أن الكلام الآتي لن يُسر السامعين.

إعلان

هل اكتفت شيرين بذلك؟ لا. في الأغنية تُعاير شيرين شريكها السابق: "لما أنت قادر ع البعاد قربت ليه؟ وانا يعني غصبت عليك؟ "ولا عمري جيتلك، أنت اللي جيتني." وتشتمه في أغنية جرح تاني: "غلطت مرة وقولت على الرخيص غالي." تقلب شيرين قواعد اللعبة، في أوقات كبرنا فيها على نساء يحاولن الإبقاء على علاقات مؤذيّة لخوفهن من الرحيل. تقول: أنت آخر واحد ممكن أبكي عليه. وتقول: "وبناقص حياتي معاك." وتقول: "أنا مش مُرغمة، ولا مُلزمة أكمل حياتي معاه وأنا متأّزمة." غنّت شيرين لنساء يعرفن أنهن قادرات على الرحيل- يومًا ما وتتغنّى بنفسها أثناء الانفصال: أخيرًا اتجرأت أعلّي صوتي عليه. ثم تحتفي بعد الرحيل في أغنية أخرى: "كنت بقول من بعد حبيبي الدنيا ازاي تتعاش. وآدي الأيام مرّت لحظة، وقدرت أنسى."

في أغنياتها، شيرين امرأة تُهدد شريكها، رغم معايير اجتماعية ترفض تهديد النساء للرجال وتعتبره تطاول وتجاوز. مع تامر حسني "لو كنت نسيت" تقول: حِسك تفكّر تنساني." وتتوعّد بسلام نفسي: انا مش مبيناله انا ناوياله على إيه

تضرب شيرين بالنصائح عرض الحائط، وتُغني ضد عادات تنصحنا بالاستمرار في علاقة واحدة طيلة حياتنا. تقول شيرين لكل هذا: طظ، وتُزيد عليه من عندها. فعندما نُنصح بألا نتحدث عن "أسرار علاقاتنا العاطفية" حتى لا يُقلل ذلك من فرصنا كنساء لدى رجال آخرين، لأنهم سيخافون من الارتباط بنا حتى لا تكون سيرتهم على كل لسان، تقولها شيرين ببساطة في أغنية "مبتفرحش" واللي قولته عليك وعيدّته، هو ده اللي يدوب عرفته. ثم تنظر للكاميرا في الفيديو كليب وتبتسم بدهاء ومكر جميل يجعلك تبتسمين معها، وتتذكرين كم مرة اعتمدتِ على النميمة كردة فعل للأذى؟

إعلان

في أغنياتها، شيرين امرأة تُهدد شريكها، رغم معايير اجتماعية ترفض تهديد النساء للرجال وتعتبره تطاول وتجاوز. مع تامر حسني "لو كنت نسيت" تقول: حِسك تفكّر تنساني." وتتوعّد بسلام نفسي: انا مش مبيناله انا ناوياله على إيه." ثم في أغنيتها "كدّابين" بص بكرة هتبقى فين لو باب أنا قفلته. شيرين تذكُر فضلها على شريكها، ولا تعتبر ذلك إهانة، بل حقائق تسردها. شيرين أيضًا غنّت لما بعد الانفصال ومدحت نفسها على قراراتها. تقول: أنا واحدة عايشة لوحدها ومش حاسة وحدة. مصالحة نفسي. وتقول في "متاخدة من الأيام" البُعد كان أريح كتير من القُرب. وفي النديّة: "وبناقص، عِند بعند وبُعد ببُعد ونيجي على بعض."

ما الذي تغير يا شيرين؟
إن كنتِ بحاجة للتذكير أنك لم تكوني يومًا إلى جانب الرجال، فها أنا أفعل. وإن كنتِ بحاجة لأن تتذكري تاريخ تمردك كامرأة ضد معايير مفروضة على النساء، بدءً من شَعرك وكلمات أغنياتك، فها نحنُ ذا. أنتِ بحاجة لتتذكري جمهورِك الأول: الشابات اللاتي كان صوتك مؤنس لوحدتهن، وأغنياتك تشجيع إضافي لترك شريك مُؤذٍ وعلاقة استحققن أكثر منها. أنتِ بحاجة لإعادة التفكير في هذا الجمهور الذي استقبلك كما أنتِ. هؤلاء اللاتي وجدن أنفسهنّ وعلاقاتهنّ في صوتك واحساسك كامرأة قبل مطربة. أنتِ بحاجة للعِرفان، للامتنان، وآخر ما تحتاجينه هو خسارتهن.

يا شيرين إن كانت أغنياتك "كلام كان كله كدب" فستتحملين وحدك نتيجته، تمامًا كما حملتِ شركائك في الأغنيات مسؤولية أفعالهم. ألست أنتِ التي غنّت: "بلوم على قلب يضحي لقلب مكنش معاه. مستناش العمر يعدي وأقول محصلش نصيب؟" هذا ما فعلناه. لم نُضحِ. لم نتحجج بالنصيب. رحلنا ياشيرين عن أي أذىٍ وأي عُنف. وها أنت تلومين علينا، وتوصميننا. وصفك لنا بالعوانس، بكل ما تحمله الكلمة من وصم اجتماعي لنساء لا يدخلن أي علاقة والسلام لإرضاء من حولهنّ، بعد كل أغنياتك التي تُحمسيننا فيها ضد شركاء مؤذيين، يجعلك بحاجة لاعتذار علني. حتى لو "كلامك كله كدب" ابتكري؛ لأن "في الزمان ده الكدابين مبقوش بيبتكروا."

عليكِ أن تُعلنيها يا شيرين، إما أنكِ معنا أو ضدنا، نحن العوانس اللاتي يرفضن التيار وكل مَن يحتمي به حتى لو كانت امرأة

تصريحك يوصم كل امرأة سمعتك وصدقت كلماتك، فقدت شريك أو علاقة، أنها عانس. عانس يا شيرين؟ ترمين بتاريخك في سلة مهملات، لتكسبي جمهور لم يُساندك يومًا قدرنا نحنُ؟ اعتقدنا أنك تعرفين معنى تفضيل الانفصال- العنوسة حسب كلامك- على علاقة مؤذية. اعتقدنا أنك تتفهمين لماذا لا تستمر النساء في علاقات كهذه بعد سبعة عشر عامًا من الغناء عن العلاقات المُسيئة. اعتقدنا أنك امرأة تعني ما تُغنيه، وتعرف أنها سابحة عكس التيار. التيار الذي ترتمين في أحضانه الآن يا شيرين. التيار الذي كاد أن يجرفِك لولا أن هناك جمهورًا آخر أرجح كفتكِ. هذا الجمهور هو النساء. لم تكونِ يومًا امرأة من داخل التيار السائد، لتستخدمينه الآن ضد كل امرأة ترفضه. عليكِ أن تُعلنيها يا شيرين، إما أنكِ معنا أو ضدنا، نحن العوانس اللاتي يرفضن التيار وكل مَن يحتمي به حتى لو كانت امرأة.

يمكنكنّ/م الاستماع للأغنيات المذكورة هنا