كأس العالم ٢٠٢٢

إعلاميّون ومشجّعون.. عن الحياديّة في تغطية كأس العالم في قطر

"عليك أن تتحلّى بالموضوعيّة. بمجرّد أن ترتدي قميص منتخبٍ ما، فهذا يعني أنّك تبنّيته"
thomas-serer-alUSb8lCE5s-unsplash

قليلةٌ هي البِدَل الرسميّة داخل المركز الإعلاميّ في العاصمة القطريّة الدوحة، التي تستضيف نهائيات كأس العالم 2022. الطقسُ معتدل خارج الأبواب، وقد يكون بارداً في الداخل، لكن ذلك لا يؤثّر على نوعيّة الملابس التي يرتديها الصحافيون والإعلاميون. قمصان المغرب والأرجنتين والبرازيل وغانا حاضرة بقوّة، أكثر من غيرها، ومن يرتديها، غالباً من فئةٍ عمريّةٍ واحدة، الشباب تحديداً.

لا تردُّد بإظهار الانتماءات هُنا، على خِلاف ما تفرضه الأخلاق المهنيّة، التي تفرض على ممارسي الإعلام والصحافة، الموضوعيّة والحِياد. تختلف الآراء بين من يرى أن لا مشكلة بارتداء قمصان منتخبات البلاد المشاركة في كأس العالم خلال العمل، ومن يرفض.

إعلان

تُلزم الأخلاق المهنيّة في الإعلام، ممارسي المهنة، بالتحلّي بالموضوعيّة والشفافيّة. في الرياضة، يلتزم الكثير من الصحافيين والإعلاميين بإخفاء انتماءاتهم، خوفاً من اتهامهم بالتحيّز لفريقٍ على حساب آخر. ولكن ليس هذا الحال مع الصحفيين في كأس العالم، فالكثير منهم لا يتردّدون بإظهار انتماءاتهم، ليس لمنتخب بلادهم حصراً، بل حتّى للمنتخبات التي يرون أن شيئاً يربطهم بها مثل قمصان المغرب أو هؤلاء الذين يشجّعون منتخباتٍ أوروبيّة ولاتينيّة.

مصدرٌ في اللجنة الإعلامية، يُشير إلى أن عدد الإعلاميين الأرجنتينيين المُسجّلين لتغطية المونديال، بلغ 75 إعلاميّاً. عددٌ لا بأس به منهم، يحضر يومياً إلى المركز الإعلامي، بقميص منتخب البلد، ومثلهم من البرازيل، وغانا أيضاً. 

بين الموضوعيّة واللّباقة والحريّة

الصحافي اللبناني حسن عطية، يعمل في شبكة الميادين. حضر في المركز الإعلامي مرتدياً 3 قمصان ريّاضية في أيّام مختلفة: الأرجنتين، السنغال، والجزائر. الأخير هو المنتخب الذي يشجّعه عادةً في كأس العالم، والأرجنتين، حُبّاً بليونيل ميسي، وتمنيّاً بتتويجه باللقب، أما السنغال، لكونه منتخباً إفريقياً، ويضم ساديو مانيه، الذي يلعب مع ليفربول، فريق عطيّة المفضّل (ولو أن مانيه لم يلعب في مونديال قطر 2022). 

بالنسبة إليه، ارتداء قمصان المنتخبات ليس بالضرورة أن يكون مرتبطاً بتشجيع بلدٍ معيّن، بل قد يكون السبب جماليّاً فقط. "أرتدي قميص منتخب المكسيك في عام 2010، لأنها من أجمل القمصان التي صُنعت في تاريخ المونديال. ارتديت قميص منتخب إسبانيا سابقاً أيضاً، على الرغم من أنني لا أشجّع المنتخب."

 حسن، يرى أن "الصحافي هو مشجّع بالأساس، ولا يُمكن ألّا يكون مشجّعاً لأحد منتخبات كأس العالم، أو يميل على الأقل لتمييز منتخبٍ على حساب آخر،" لكن ذلك لا يعني أن يرتدي قميص منتخبٍ ما خلال العمل على الأرض.

إعلان

بالنسبة إليه، المركز الإعلامي هو مكانٌ للتلاقي مع الزملاء، لكن العمل "على الأرض، يُحتّم على الصحافي أن يبقى حيادياً، وألّا يرتدي قميص منتخب أو فريق معين. لا بأس بارتداء قميصٍ رياضي، لكن دون أن يكون عليه شعار بلدٍ ما."

يعترف حسن أنه ارتدى قميص الأرجنتين خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده مدرب المغرب وليد الركراكي، في الحديث عن المواجهة مع البرتغال، لكن يُشير إلى أن صحافيين مغاربة، كانوا يرتدون قميص منتخب بلادهم. هو يعتبر أن ليس في ذلك عدم احترام للأخلاق المهنيّة، "لأن الصحافي يُعرّف عن نفسه بأنّه مغربي، ويتكلّم مع مواطنه، ويتفّقان على النقاط عينها."

يختلف المصري طه حسين، الذي يعمل مع جريدة الشرق، مع رأي عطيّة. بعد 30 عاماً في المجال، يرى أن "الموضوعيّة هي أهم ما في العمل الصحافي، ومُمارِس هذه المهنة، تحكمه المهنيّة." يرفض حسين أن يحضر الصحافي مؤتمراً وهو يرتدي قميص منتخب.

بالنسبة إليه، الموضوع يرتبط بـ اللباقة أوّلاً. ويقول: "لكلٍ مقامٍ مقال. أنت هنا تُؤدّي عملك المهنيّ، وعليك أن تتحلّى بالموضوعيّة. بمجرّد أن ترتدي قميص منتخبٍ ما، فهذا يعني أنّك تبنّيته. بإمكان أي صحافي أن يرتدي ما يحلو له وأن يشجّع من يريد، لكن خارج العمل، فالقاضي نفسه، إذا ثبت أن له علاقة بالقضيّة، يتنحّى."

الصيني بيلي، يعمل في قطر بشكلٍ مستقل. يرى أن اللباس لا يُغيّر شيئاً من هويّة الإعلاميّ، شرط أن يقوم بعمله بشكلٍ محترف. "كل ما على الإعلامي أن يتحلّى به، هو الاحترافيّة والموضوعيّة. طالما أنّه يقوم بواجبه المهنّي دون تحيّز، فهو حُرٌّ بارتداء ما يشاء. لا أعتقد أن مدرباً أو لاعباً أو زميلاً سيشعر بالامتعاض من رؤية أحد الصحافيين مرتدياً قميص منتخبٍ ما، طالما أنه يوجّه الأسئلة بطريقة محترفة وحياديّة، وليس مستفزّاً."

إعلان

ليس ببعيدٍ عن الصحافيين والإعلاميين، للمصوّرين دورٌ مهمٌ أيضاً، وهم أقرب من المدربين واللاعبين، إن كان في المؤتمرات الصحافية، أو في الملاعب. عيسى أيت أشو، مغربيّ الجنسيّة، يرتدي قميص منتخب بلده في المركز الإعلامي. هو يرى أن ممارسي المهنة، مثل اللاعبين، "يُفترض أن يتحلّوا بالروح الرياضيّة. أنا أدعم منتخب بلدي، ولا أعتقد أن أحداً سيكون منزعجاً منّي بسبب ذلك." عيسى لا يخلع القميص حتّى في المؤتمرات الصحافية، ولا يرى أن هذا الأمر يُسبّب مشكلة للاعبين أو المدربين. 

الحياديّة كذبة

داخل الوسط، يقرّ الجميع بضرورة العمل الحياديّ، لكن الكل يتّفق أيضاً، على أنه لا يوجد إعلامي أو صحافيّ حياديّ بأفكاره الشخصيّة على الأقل، التي قد تكون مخالفة لسياسة المؤسسة الإعلاميّة التي يعمل فيها حتّى، دون أن يُظهرها. 

الصحافي اللبناني محمد خليل، يعمل مدير تحرير مجلة سوبر1، يعتبر أن الحيادية "كذبة" وفي الرياضة، خلال كأس العالم، كل شخص يُمارس المهنة، يميل بشكلٍ أو بآخر لمنتخبٍ ما. ويضيف: "حتّى لو كنت تشجّع منتخباً لا يُشارك في البطولة، وتحضر في الملعب مباراةً بين منتخبين لا يُربطك بهما أي شيء، فأنت حتماً ستميل إلى فوزٍ واحدٍ على الآخر، في اللاوعي، لأسبابٍ عديدة قد تكون إطار الرياضة."

يتّفق خليل مع باقي زملائه، بضرورة أن يكون ممارس المهنة صادقاً في عمله "حتّى ولو كان ذلك يتعارض مع مصلحة منتخب بلده" ويشير إلى السبب الأوّل الذي يمنع الصحافي أو الإعلامي من إظهار الانتماء، وهو الجمهور "لأنه يعتبر أنه في حال أظهر الإعلاميّ هواه، فهو أصبح متحيّزاً بشكلٍ تلقائي، حتّى ولو كان يؤدّي عمله بشكلٍ صحيح. طالما أنّه أقرّ بتشجيع فريقٍ ما، فإنه كل ما يكتبه، يُصبح في خدمة هذا الفريق وضد الفريق الآخر، برأي الجمهور."

إعلان

فارقٌ بين المنتخبات والأندية

لن يمتنّع تلفزيونٌ عربيّ، من إظهار تعاطفه مع منتخبٍ يشارك في نهائيات كأس العالم، بل سيشجّعه أيضاً. الجمهور واحد. المغرب، حصلت على دعمٍ جماهيريٍّ عربيّ غير مسبوق، كونها المنتخب العربي الوحيد الذي تخطّى دور المجموعات في المونديال القطري، وحقّق إنجازاً غير مسبوق بالتأهّل إلى نصف النهائي. 

الأمر ينسحب على المعلّقين أيضاً، الذين يُظهرون الانتماء إلى المنتخبات العربيّة بشكلٍ واضح. مُمارس المهنّة، يُعرّف عن نفسه دائماً في المؤتمرات الصحافية، ويقول من أي بلدٍ يأتي ولأي مؤسسةٍ إعلاميّة يعمل، وعليه، يُصبح هواه شبه معروف، في حين تختلف القصّة حين يتعلق الأمر بتغطية بطولات الأندية، لأن إظهار المعلّق أو الإعلامي الانتماء إلى بلده أو بلد دولةٍ عربيّةٍ أخرى لا يُنتقد عليه من قِبل الجمهور العربي - إلا في حال تفضيل دولة عربية على حساب أخرى - في حين لا يُمكنه تفضيل نادٍ على حساب آخر، بسبب اختلاف الانتماءات بالنسبة إلى المشجعين، داخل البطولة نفسها أو على صعيد بطولاتٍ قاريّة.

"الحديّة تختلف بين الأندية والمنتخبات. هناك عدائيّة دائمة بين فريقين من المدينة عينها، أو بين فريقين خصمين تاريخياً. لن يكون من المناسب أن يأتي صحافي مرتدياً قميص برشلونة، في مؤتمرٍ يتحدّث فيه مدرب ريال مدريد قبل المباراة بين الفريقين، لكن الأمر يختلف إذا جاء إعلاميّ مغربي إلى مؤتمر مدرب منتخب سيواجهه في المباراة المقبلة. لا صدام كبير بين المنتخبات، وهناك احترام أكبر، حتّى ولو كان هناك خلافات على صعيد البلاد،" يقول الصحافي محمد خليل. 

عموماً، لا ينحصر أمر إظهار الانتماء لمنتخبٍ ما على العرب فقط. في المركز الإعلامي، العديد من الأجانب، خاصةً من أميركا الجنوبية، كالأرجنتين والبرازيل، يرتدون قمصان منتخبات بلادهم. الأمر عينه ينسحب على الأفارقة، كالغانيين والسنغاليين، وربما بشكلٍ أقل بالنسبة إلى الأوروبيين. 

يقول ناصر خالد، الذي يعمل مراسلاً للبنان في موقع كووورة، أن على الصحافي أن يتحلّى بأخلاق المهنة الصحافية عند تغطية أي بطولة، وليس كأس العالم فحسب. "ثمة أخلاق مهنيّة تُحدّد عمل الصحافي، إذ يجب أن يكون لباسه لائقاً وتصرفاته كذلك، وأن يسيطر على مشاعره. في التغطية، يجب أن يبقى موضوعياً ولا يُفضّل منتخب أو فريق على حساب آخر، ويُعطي كل ذي حقٍّ حقّه، حتّى لو كان ذلك بعكس ما يريده هو أو جمهوره."