بيئة

كيف يؤثر التغير المناخي على نفسيتنا وقراراتنا؟

تتسبب درجات الحرارة المرتفعة بتفاقم الحالة المزاجية مما يؤدي إلى الشعور بمزيد من الانفعال والتوتر
pexels-kindel-media-7298615

ماذا فعلنا بكوكب الأرض؟ هذا السؤال يتردد في أذهان كثير من الناس، ومنهم الأشخاص المهتمون في قضايا التغير المناخي وما هو تأثيره على حياتنا ونفسيتنا وقرارتنا.

يؤدي تغير المناخ إلى حدوث ظواهر مناخية أكثر تواترًا وتطرفًا مثل الفيضانات والعواصف والجفاف. يمكن أن يكون لظواهر الطقس المتطرفة أيضًا آثار على بعض المحددات الاجتماعية والاقتصادية من خلال التسبب في البطالة أو التشرد أو انعدام الأمن الغذائي والمائي. وهذا بدوره يمكن أن يؤثر بشكل سلبي على الصحة النفسية.

إعلان

ارتفاع درجات الحرارة بشكل خاص له مجموعة متنوعة من الآثار الضارة على الصحة النفسية، حيث تتسبب درجات الحرارة المرتفعة بتفاقم الحالة المزاجية مما يؤدي إلى الشعور بمزيد من الانفعال والتوتر والمشاعر السلبية.

فكرت جدياً بترك الجامعة أو التقديم على الدراسة في جامعة في بلد آخر أكثر برودة

"فصل الصيف بالنسبة لي هو فصل الاختصارات، وأقصد بالاختصارات هو ايجاد الطرق السريعة لإنهاء أي شيء، مثل: اختصر الطريق إلى الجامعة، أطلب تاكسي بدلًا من ركوب باص عام،" يقول سجاد صبيح، طالب جامعي، من مدينة البصرة (جنوب العراق) ويضيف: "الذهاب إلى الجامعة هو عذاب بسبب وسائل النقل التي لا تحتوي على تبريد، فشعور الحر يسلب الطاقة الايجابية مني ويحولها إلى سلبية، وفكرت جدياً بترك الجامعة أو التقديم على الدراسة في جامعة في بلد آخر أكثر برودة. قد يستغرب البعض مما أقول لكن حقًا هذا ما أفكر به."

ويضيف صبيح: "قبل الذهاب إلى النوم، اتصفح غوغل لمواقع الطقس لمعرفة ما هي درجات الحرارة لليوم التالي حتى أقرر الذهاب إلى الجامعة من عدمه، حتى بات الموضوع يأثر عليَّ نفسيًا؛ لا أجلس كثيرًا مع زملائي، أغادر الجامعة فور انتهاء آخر حصة دراسية، وتقل علاقاتي الاجتماعية في الصيف، وخصوصًا في الأشهر الأكثر حرارة في مدينة البصرة (تموز وآب)، حيث تزيد درجة حرارة الجو على 55%."

تشير الأبحاث إلى أن درجات الحرارة المرتفعة تزيد من مشاكل الذاكرة والانتباه ومحاولات الانتحار. وبشكل تقريبي، لكل 1 زيادة في المتوسط الشهري لدرجة الحرارة، تزداد الوفيات المرتبطة بالصحة العقلية بنسبة 2.2٪. ويؤدي ارتفاع الرطوبة النسبية أيضًا إلى ارتفاع معدل الانتحار.

إعلان

تتفق هذه النتائج مع تقرير صدر مؤخراً عن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (هيئة المناخ)، وكشفت الهيئة أن تغير المناخ يشكل تهديدًا متصاعدًا للصحة النفسية والعافية النفسية الاجتماعية؛ من الضيق العاطفي إلى القلق والاكتئاب والسلوك الانتحاري. دراسة أخرى أجريت عام 2021 ونشرتها المجلة الأوروبية للطب النفسي، ربطت كذلك بين ارتفاع درجات الحرارة والرطوبة بارتفاع نوبات الهوس لدى الأشخاص الذين يعانون من الاضطراب الثنائي القطب bipolar disorders.

قرارتي في فصل الصيف تختلف عن الشتاء

في مقابلة زووم مع VICE عربية، يشير الدكتور سيف المظلوم، عضو هيئة صحة دبي، أن ارتفاع درجة حرارة الجو لها تأثير مباشر على الصحة النفسية: الارهاق النفسي، زيادة نوبات الغضب والعدوانية، "كما تزيد من أعراض بعض المصابين  باضطرابات القلق واضطراب ثنائي القطب وتزيد من حالات الانتحار، خصوصا إذا ترافق مع انعدام الخدمات الضرورية."

وبحسب المظلوم، "فإن ارتفاع درجات الحرارة تؤدي إلى خلل في عمل كثير من الأعضاء الحيوية في الجسم، ومن أهمها القلب والكليتين والدماغ، وزيادة معدل ضربات القلب وانخفاض الضغط نتيجة فقدان السوائل والأملاح عند التعرق والتي تسبب إغماء نتيجة الهبوط الحاد في ضغط الدم وتؤثر على الكليتين، ضمن محاولة اعادة امتصاص الماء لتعويض الجسم بما فقده من سوائل بعملية التعرق، وهذا يؤدي الى زيادة احتمالية حدوث التهابات في المسالك البولية."

إعلان

الفئة الأكثر تضررًا من التغير المناخي، كما يقول المظلوم، هم العاملون في المناطق المكشوفة التي لا توجد وسائل تبريد أو العاملون في الآبار النفطية وسط الصحراء. كما يواجه عمال البناء، الباعة المتجولون واصحاب البسطات الصغيرة المكشوفة، وسائقي دراجات الديلفري، وغيرها من المهن التي تتطلب العمل، تعرض مباشر لأشعة الشمس.

"تخيل معي أنك ترتدي بدلة السلامة ذات الوزن الثقيل، التي لوحدها تكفي لمواجهة فصل الشتاء بكل ظروفه. أنا أرتدي هذه البدلة في فصل الصيف وأعمل في حقل النفط وسط الصحراء التي تصل درجات الحرارة فيها قرابة 60 درجة وفوق كل هذا يجب عليك التركيز في العمل لأن أي خطأ قد يؤدي بحياتك للموت." يقول أحمد الزرقاني، فني في شركة نفطية في العراق، 33 عامًا ويضيف: "قرارتي في فصل الصيف تختلف عن الشتاء. في الصيف أفكر بالاستقالة من العمل والبحث عن عمل آخر لا أتعرض به الى الشمس أو تقدم  بطلب أجازة دون راتب حتى ينتهي الصيف الحارق، لأن عودتي للمنزل من العمل صيفاً خالية من التفاعل مع أطفالي وزوجتي لأنني أكون بمزاج سيء، وأكثر عصبية."

ويضيف الزرقاني: "قمت بتطليق زوجتي مرتين بسبب ما أمر به يومياً من إرهاق وتعب نتيجة الجو الحار، لكن وجدت أن الطلاق ليس حلّّا.. نعم ليس حلّاً، لذلك، قررت جعل دوامي بالتناوب، شهر في الشركة وشهر استراحة، أقضيه مع العائلة في مناخ بارد، في تركيا، حيث استأجرت شقة هناك، حتى لا تعيش عائلتي الحياة التي أعيشها كل صيف في بلدي."

لا توجد أي أرقام أو دراسات تؤكد العلاقة ما بين ارتفاع درجات الحرارة وارتفاع نسب الطلاق في الوطن العربي، لكنها قد تكون سببًا غير مباشر لذلك.

في صيف عام 2020 و2022، شهدت بلداننا العربية احصائيات صادمة عن نسب الطلاق، مثلاً في العراق، وصلت نسبة الطلاق في شهر تموز (يوليو)، الماضي (بلغت درجة الحرارة فيه 50 درجة مئوية) إلى 6 حالات طلاق كل ساعة، ما يعني أن 4826 حالة طلاق شهريًأ، بحسب الاحصائية التي  نشرها القضاء العراقي، وتقاربت الأعداد في دول أخرى مثل لبنان، حيث ارتفعت نسبة الطلاق في سنة 2020 مقارنة بعام 2019 بـ25 في المئة، وفي مصر، وصلت حالات الطلاق عام 2020 حوالي 213 ألف حالة طلاق.

إعلان

تغير المناخ يمكن أن يكون مسؤولاً عن زيادة نسبة الجرائم

الطبيب النفسي العراقي كرار سمير، يؤكد على وجود علاقة بين ارتفاع درجات الحرارة وزيادة التصرفات العدوانية ويقول: "الجو الحار يجعل الشخص غير مرتاح وانفعالي (irritable) ويزيد من العدائية، بل وحتى يزيد من احتمالية تفسير الكلام الاعتيادي إلى كلام عدائي، سواء مع الشريك أو زميل العمل أو مع الأشخاص العاديين، وقد يتسبب بالانفصال عن الشريك، أو ترك الوظيفة مع جهة العمل."

يمكن أن تؤثر الحرارة أيضًا على الصحة العقلية للأشخاص الذين لا يعانون من اضطراب في الصحة العقلية. تظهر الأبحاث أن مناطق الدماغ المسؤولة عن تأطير المهام المعرفية المعقدة وحلها تتضرر بسبب الإجهاد الحراري، وعندما لا يفكر الناس بوضوح بسبب الحرارة  فمن المرجح أن يصابوا بالإحباط، وهذا بدوره يمكن أن يؤدي إلى العدوانية.

ويفترض خبراء أن العلاقة بين العنف والحرارة يمكن تفسيرها من خلال التغيرات الفسيولوجية مثل زيادة معدل ضربات القلب والتعرق. بحلول عام 2090، تشير التقديرات إلى أن تغير المناخ يمكن أن يكون مسؤولاً عن زيادة تصل إلى 5٪ في جميع فئات الجرائم على مستوى العالم. أسباب هذه الزيادات تنطوي على تفاعل معقد من العوامل النفسية والاجتماعية والبيولوجية. 

الحفاظ على العلاقة الجنسية قد تكون واحدة من الطرق للتعامل مع تغير المناخ وارتفاع درجات الحرارة، بحسب المظلوم: "فصل الصيف هو فصل تزداد فيه الرغبة الجنسية والتزاوج، ويعود ذلك إلى أن التعرض لاشعة الشمس صيفًا يزيد من إنتاج فيتامين "د" والذي بدوره يزيد من مستوى هرمون التستوستيرون عند الرجال."

للصحة الجنسية ارتباط وثيق بالصحة النفسية حيث أنها تقلل من نوبات القلق والاكتئاب، وهذا يعني أن زيادة النشاط الجنسي يرافقه استقرار نفسي وقد أثبتت بعض البحوث التي أجريت خلال فترة الحجر الصحي في زمن جائحة كورونا أن نوبات القلق والاكتئاب والانهيار العصبي قلت عند الأزواج الذين قضوا معظم فترة الحجر الصحي مع بعض، وارتفعت نسبة هذه النوبات والأمراض عند الذين قضوا فترة الحجر وحدهم وهذا يعزز الدور المهم للجنس على صحتنا النفسية.